ومن البيّن أنّ المعاند للشيء كما أنّه يعانده في بقائه فيكون رافعا له ، فكذلك يعانده في حدوثه فيكون دافعا ، فنواقض الوضوء بأجمعها قد يلحقها وصف الرفع وقد يلحقها وصف الدفع ، وكذلك الأسباب الموجبة لتنجّس الماء وغيره من الأشياء الطاهرة ، فإنّها قد تكون رافعة للطهارة وقد تكون دافعة عنها ، وليس ذلك إلّا من جهة ما فيها من منافاتها الطهارة بقاء وحدوثا.
وقضيّة ذلك كون زوال صفة النجاسة عن الماء شرطا في تطهيره ، سواء كانت نجاسته مستندة إلى تلك الصفة الموجودة أو إلى غيرها ممّا هي واردة عليه قائمة مقامه على وجه البدليّة ، ولا يتولّد من تلك ما ينافي مدّعانا من أنّ المعتبر في تنجيس الماء إنّما هو وجود أثر النجاسة فيه فعلا ، ولا يكفي فيه قابليّة الوجود ، كما لا يلزم منه كون كلّ أثر موجود فعلا لا بدّ وأن يكون موجبا للتنجّس.
وبالجملة : ما فرضه رحمهالله تعالى في إثبات مطلوبه لا ربط له بالمقام أصلا ، ولا أنّه معارض لمفروض المسألة ، ولا مقابل له ولا شبيه به.
نعم ، له مناسبة ما فيما لو قلنا بعدم التنجّس إذا وقع في الماء طاهر مغيّر له إلى صفة ، ثمّ وقع نجس مغيّر له عن تلك الصفة إلى صفة اخرى وهو كما ترى ممّا لا نقول فيه بعدم التنجّس ، ولا أنّه قال به أحد ممّن يحفظ عنه العلم ، لتحقّق ما هو مناط التنجّس فيه ، وهو حصول أثر النجاسة في الماء فعلا وتغيّره به من صفة إلى اخرى ، إذ لم يعتبر في التغيّر الموجب لتنجّس الماء كونه حاصلا في صفاته الأصليّة ، بل يكفي فيه لو كان حاصلا في الصفات العارضيّة أيضا ، غير أنّ ذلك ممّا لا مدخل له في محلّ البحث أصلا ، بل ولو قلنا فيه بعدم التنجّس لما كان فيه بعد إذا ساعدنا عليه القواعد ، كأن يقال : بأنّ الصفة المضافة إلى الماء الّتي تغيّرها النجاسة في تعليق الحكم بالتنجّس عليه ظاهرة في الصفة الأصليّة ، كما يعترف به المستدلّ بعد ذلك في ثامن أدلّته فلا يشملها أدلّة الباب ، وغايته الشكّ في الشمول فيرجع معه إلى الاصول المقتضية للطهارة وعدم النجاسة.
وخامسها : أنّه لو تغيّر الماء بطاهر أحمر ، ثمّ بالدم ثمّ صفا الماء عن حمرة الطاهر فظهر لون الدم ، فإنّ الماء نجس قطعا ، ولا وجه له إلّا ما قلنا ، لعدم بقاء عين النجاسة حين ظهور صفتها ، وعدم تجدّد تأثيرها في الماء ، فيلزم الحكم بتنجيسها من حين وقوعها.