الماء إن اريد به الغلبة بحسب الكمّ والمقدار.
نعم ، إن اريد به الغلبة بحسب الكيف فاستفادة اعتبارها من الأخبار مسلّمة ، ولكنّه ينافي ظاهر الدليل وما هو غرض المستدلّ ، لرجوعه إلى مختارنا من كون العبرة في التنجيس بوجود الصفة فعلا ؛ إذ لا معنى للغلبة بدونه وشأنيّة الغلبة ليست من الغلبة في شيء ، فإنّ أحكام الشرع واردة على الموضوعات المحقّقة ، ولا ريب أنّ فرض التحقّق لا يحقّق الموضوع ، ولا يجدي نفعا في ترتّب الحكم عليه ما لم يتحقّق هو بنفسه في الخارج ، فتدبّر حتّى لا يختلط عليك الأمر فيما ذكرنا وما هو المقرّر في محلّه من تعلّق أحكام الشرع بالطبائع من حيث هي دون أفرادها الموجودة في الخارج ، إذ لا منافاة بين الكلامين كما يظهر بالتأمّل.
وتوضيحه : أنّ حكم السببيّة للتنجيس إنّما تعلّق بماهيّة الغلبة ومفهومها مع قطع النظر عن أفرادها الخارجيّة ، وهي ظاهرة في الفعليّة دون ما يعمّها والشأنيّة ، فأفرادها الموجودة في الخارج الّتي يترتّب عليها النجاسة فعلا ، إنّما هي الصفات الحاصلة من النجاسة في الماء فعلا ، ولا يندرج فيها ما هو صالح للحصول ولم يحصل بعد ، ففرض الحصول في حقّه لا يصلح محقّقا للحصول ، حتّى يندرج المفروض في أفراد ما هو موضوع الحكم.
وثامنها : أنّه كما لا يعتبر في النجاسة إلّا صفاتها الأصليّة المستندة إليها لا صفاتها العارضيّة المستندة إلى غيرها وإن كانت هي الموجودة بالفعل ، فلا تكون معتبرة في صفات الماء أيضا ، لدلالة الإضافة على اعتبار الحيثيّة في الموضعين.
وفيه : أنّ مفاد هذا الدليل شيء لا يرتبط بالمبحوث عنه أصلا ، فإنّ أقصى ما يدلّ عليه أنّ النجاسة لو غيّرت من الماء صفاته العارضيّة المستندة إلى الخارج لا تكون مؤثّرة في انفعاله ، لدلالة إضافة الصفة ـ المعتبر تغيّرها ـ إلى الماء على الصفة الأصليّة ، كما أنّ الظاهر من الصفة المضافة إلى النجاسة ـ المعتبر كونها مغيّرة ـ الصفة الأصليّة ، فلو استند التغيير إلى صفتها العارضيّة كما لو القي شيء من الزعفران في البول الصافي ، فالقي البول في الماء فأثّر فيه بإيراثه الصفرة فيه لا يكون موجبا للانفعال ، وكلّ من ذلك كما ترى مطلب آخر خارج عن المسألة ، وقد تعرّضنا لبعضه سابقا ، ولعلّنا نتعرّض له ولغيره تفصيلا فيما بعد ذلك عن قريب إن شاء الله ، فبناء المسألة على اعتبار الصفات الأصليّة واستظهار