(ص ٢٣٢): ذو الثُديّة شيخ الخوارج وكبيرهم الذي علّمهم الضلال ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بقتله وهو في الصلاة ، فكعّ عنه أبو بكر وعمر ، فلمّا قصده عليّ رضى الله عنه لم يره ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أما إنّك لو قتلته لكان أوّل فتنة وآخرها» ، ولمّا كان يوم النهروان وُجد بين القتلى ، فقال عليّ رضى الله عنه : ائتوني بيده المخدجة ، فأُتي بها فأمر بنصبها.
قال الأميني : هلمّ معي نسائل الرجلين ممّن أخذا أنّ الصلاة تحقن دم صاحبها؟ هل أخذاها عن شريعةٍ غابَ الصادع بها ، فارتبكا بين قوليه؟ أليست هي الشريعة المحمديّة وصاحبها هو الذي أمر بقتل الرجل؟ وهو ينظر إليه من كَثب ، ويعلم أنّه يصلّي ، وقد أخبرته الصحابة وفيهم الرجلان بخضوعه وخشوعه في صلاته ، وإعجابهم بتعبّده واجتهاده ، وفي المخبرين أبو بكر نفسه ، غير أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عرف بواسع علمه النبويّ أنّ كلّ ذلك عن دهاء وتصنّع يريد به إغراء الدهماء للحصول على أُمنيّته الفاسدة التي لم يتمكّن منها إلاّ على عهد الخوارج فأراد صلىاللهعليهوآلهوسلم قمع تلك الجرثومة الخبيثة بقتله ، ولقد أراد صلىاللهعليهوآلهوسلم تعريف الناس بالرجل وإيقافهم على ما انطوت عليه أضالعه فاستحفاه عمّا دار في خَلَده حين وقف على القوم وفيهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأراد أن يعلموا أنّه يجد نفسه خيراً أو أفضل منهم ومنه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أيّ كافر هذا يجب قتله لا سيّما بعد قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ في وجهه لسفعة من الشيطان»؟ وأيّ شقيّ هذا يقف على المنتدى وقد ضمّ صدره نبيّ العظمة ولم يسلّم؟ وأيّ صفيق يُعرب عن سوء ما هجس في ضميره بكلّ صراحة ، غير محتشم عن موقفه ، ولا مكترث لمقاله؟.
نعم ؛ لذلك كلّه أمر صلىاللهعليهوآلهوسلم بقتله وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ، لكنّ الشيخين رأفا به حين وجداه يصلّي تثبّتاً على المبدأ ، وتحفّظاً على كرامة الصلاة ومن أتى بها ، وزاد عمر : إنّ أبا بكر خير منّي ولم يقتله. أو لم يكن النبيّ الآمر بقتله خيراً منهما؟ أو لم يكن هو مشرّع الصلاة والآتي بحرمتها؟ أو لم يكن مصدّقاً