وَتُزَكِّيهِمْ بِها).
وبهذا تجمع كلّ الأقوال المذكورة لتدخل في مفهوم التزكية الواسع المداليل.
والجدير بالذكر أنّ الآيات محل البحث تتحدث عن التزكية أولا ، ثمّ ذكر الله ثمّ الصلاة.
وقد أشار بعض المفسّرين إلى هذه المراتب ، بعد أن جدولها بالمراحل العملية الثلاثة للمكلف :
الاولى : إزالة العقائد الفاسدة من القلب.
الثّانية : حضور معرفة الله وصفاته وأسمائه في القلب.
الثّالثة : الإشتغال بخدمته وفي سبيله جلّ وعلا.
ويمكن القول : إنّ الصلاة فرع لذكر الله ، فإذا لم يذكر الإنسان ربّه ، لم يسطع نور الإيمان في قلبه ، وعندها فسوف لن يقوى على الوقوف للصلاة ، والصلاة الحقّة هي تلك التي يصاحبها التوجّه الكامل والحضور التام بين يديه عزوجل وهذان التوجّه والحضور إنّما يحصلان من ذكره سبحانه وتعالى.
أمّا ما ذكره البعض ، من أنّ ذكر الله هو قول «الله أكبر» أو «بسم الله الرّحمن الرّحيم» في بداية الصلاة ، فإنّما هو بيان لأحد مصاديق الذكر ليس إلّا.
ويشير البيان القرآني إلى العامل الأساس في عملية الانحراف عن جادة الفلاح : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) .. (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى).
ونقل الحديث النّبوي الشريف هذا المعنى ، بقوله : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة» (١).
فالإنسان العاقل لا يجيز لنفسه أن يبيع الدار الباقية بأمتعة فانية ، ولا أن يستبدل اللذائذ المحدودة والمحفوفة بألوان الآلام بالنعم الخالدة والنقية الخالصة.
__________________
(١) وروي الحديث بصور عدّة عن الإمام الصادق عليهالسلام والإمام السجاد عليهالسلام ، وورد معنى الحديث عن الأنبياء عليهمالسلام أيضا ، ممّا يشير إلى أهميته البالغة.