وجاء تكرار «دكّا» في الآية للتأكيد.
وعموما ، فالآية تشير إلى الزلازل والحوادث المرعبة التي تعلن عن نهاية الدنيا وبداية يوم القيامة ، حيث تتلاشى الجبال وتستوي الأرض ، كما أشارت لذلك الآيات (١٠٦ ـ ١٠٨) من سورة طه : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً).
وبعد أن ينتهي مرحلة القيامة الاولى (مرحلة الدمار) ، تأتي المرحلة الثّانية ، حيث يعود النّاس ثانية للحياة ليحضروا في ساحة العدل الالهي : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا).
نعم ، فسيقف الجميع في ذلك المحشر لإجراء الأمر الالهي وتحقيق العدالة الربّانية ، وقد بيّنت لنا الآيات ما لعظمة ذلك اليوم ، وكيف أنّ الإنسان لا سبيل له حينها إلّا الرضوخ التام بين قبضة العدل الالهي.
(وَجاءَ رَبُّكَ) : كناية عن حضور الأمر الالهي لمحاسبة الخلائق ، أو أنّ المراد : ظهور آيات عظمة الله سبحانه وتعالى ، أو ظهور معرفة الله عزوجل في ذلك اليوم ، بشكل بحيث لا يمكن لأيّ كان إنكاره ، وكأنّ الجميع ينظرون إليه بأم أعينهم.
وبلا شك ، إنّ حضور الله بمعناه الحقيقي المستلزم للتجسيم والتحديد بالمكان ، هذا المعنى ليس هو المراد ، لأنّ سبحانه وتعالى مبرّأ من الجسمية وخواص الجسمية (١).
وقد ورد هذا المعنى في كلام للإمام علي بن موسى الرضا عليهماالسلام (٢).
كما وتؤيد الآية (٣٣) من سورة النحل هذا التّفسير بقولها : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا
__________________
(١) يقول الفخر الرازي في تفسيره : إن في الآية محذوف ، تقديره (أمر) أو (قهر) أو (جلائل آيات) أو (ظهور ومعرفة) .. وظهرت هذه التقديرات في كتب غيره من المفسرين أيضا ، وخصوصا التقدير الأول.
(٢) راجع تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٤١٦.