إشارة إلى قول الذين يطلب منهم أن ينفقوا أموالهم في الخيرات ، فيأبون ويقولون بغرور : إننا أنفقنا في هذا السبيل كثيرا من الأموال ، بينما لم ينفق هؤلاء شيئا ، وإنّ أعطوا لأحد شيئا فللرياء ولتحقيق هدف شخصي.
وقيل إنّها نزلت في نفر أنفقوا الأموال الطائلة في معادة الرّسول والرسالة ، وتباهوا بذلك ، يؤيد ذلك قول «عمرو بن عبدود» في حرب الخندق حين عرض عليه علي عليهالسلام الإسلام قال : فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا؟ (١) أي أنفقت مالا كثيرا في عداوة النّبي.
وقيل إنّها نزلت في بعض رجال قريش وهو «الحرث بن عامر» ، وذلك أنّه أذنب ذنبا ، فستفتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأمره أن يكفّر. فقال : لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات ، منذ دخولي دين محمّد (٢).
والجمع بين التّفاسير المذكورة جائز ، وإن كان التّفسير الأوّل أكثر انسجاما مع سياق الآيات التالية :
والفعل «أهلكت» يوحي إبادة الأموال وعدم الحصول على عائد منها.
و «لبد» : تعني الشيء المتراكم ، وهنا تعني المال الوفير.
(أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ).
إنّه غافل عن هذه الحقيقة ... حقيقة اطلاع الباري تعالى على كلّ الأمور وعلى ظواهر الأعمال ، بل على ما يختلج في أعماق النفس والقلب ، وما يدور في الخلد والنّية ... وهل من المعقول أن لا يحيط المطلق الحق بكلّ شيء؟! هؤلاء الغافلون دفعهم جهلهم لأن يروا أنفسهم بمعزل عن الرقابة الإلهية.
نعم ، الله سبحانه يعلم مصدر حصولهم على هذه الأموال ، ويعلم السبيل الذي أنفقوها فيه.
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٨٠ ، الحديث ١٠.
(٢) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٩٣.