يرتاحون إذا خلت مائدتهم يوما من ضيف ... وهذا نوع من تيسير الأمور لهؤلاء.
ولا يفوتنا أن نذكر أيضا أنّ الإيمان بالمعاد وبثواب الآخرة يهون المشاكل والصعاب ، ويجعل بذل المال بل النفس ميسورا ، ويخلق الدافع نحو طلب الشهادة في ميادين الجهاد عن رغبة مقرونة باحساس باللذة والنشوة.
«اليسرى» من اليسر ، وهي في الأصل بمعنى إسراج الفرس والجامها وإعدادها للركوب. ثمّ أطلقت الكلمة على كلّ عمل سهل ممهّد (١).
وفي الجهة المقابلة تقف المجموعة الاخرى التي تتحدث عنها الآيات التالية : (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى).
«من بخل» في هذه المجموعة مقابل «من أعطى» في تلك.
كلمة «استغنى» أيّ طلب الغنى ، قد تكون إشارة إلى ذريعتهم لبخلهم ، ووسيلتهم لاكتناز المال ، أو قد تكون إشارة إلى ظنهم بأنّهم مستغنون عن ثواب الآخرة ، عكس الطائفة الاولى المنشدة إلى مثوبة الله ، أو قد تكون بمعنى الإحساس بالاستغناء عن طاعة الله وبالتالي التخبط المستمر في الآثام.
من بين هذه التفاسير الثلاثة يبدو التّفسير الأوّل أنسب ، وإن أمكن أيضا الجمع بين الثلاثة.
المقصود من التكذيب بالحسنى ، هو إنكار ثواب الآخرة ، أو إنكار الدين الإلهي.
(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) ... والتيسير للعسر بالنسبة لهذه المجموعة ، يقابله التيسير لليسر للمجموعة الاولى التي يشملها الله بتوفيقه ، وييسر لها طريق الطاعة والإنفاق ، وبذلك تتذلل أمامها مشاكل الحياة ... أمّا هذه المجموعة فتحرم التوفيق ، ويتعسّر عليها شقّ الطريق وتواجه الضنك والنصب في الدنيا والآخرة ، وهؤلاء
__________________
(١) تفسير الكشّاف ، ج ٤ ، ص ٧٦٢.