(ما فِي الْقُبُورِ) إمّا لكون الأفراد أمواتا ، أو لأنّهم لا يزالون في حالة إبهام بالنسبة لهويتهم.
والتعبير بالقبور لا يتنافى مع عدم وجود قبر لبعض الأفراد ، كالذين يغرقون في البحر ، أو المندرسة قبورهم ، والمتفرق تراب رفاتهم. لأن أغلب النّاس لهم قبور ، أضف إلى ذلك أن القبر يمكن أن يكون له معنى واسع يشمل كل محل فيه تراب جسد الإنسان ، وإن لم يكن بشكل قبر اعتيادي.
«حصّل» من التحصيل ، وهو في الأصل يعني إخراج اللب من القشر ، وكذلك تصفية المعادن ، واستخراج الذهب وأمثاله من الخامات. ثمّ استعملت لمطلق الاستخراج والفصل. والكلمة في الآية تعني فصل الخير عن الشر في القلوب ... الإيمان عن الكفر ، أو الصفات الحسنة عن الصفات السيئة ... أو النوايا الحسنة عن الخبيثة ... تفصل في ذلك اليوم وتظهر ، وينال كل فرد حسب ذلك جزاؤه. كما قال سبحانه في موضع آخر : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (١).
والتعبير بكلمة «يومئذ» يعني أن الله (في ذلك اليوم) خبير بأعمال العباد وسرائرهم.
ونعلم أنّ الله سبحانه عليم دائما بذات الصدور. فالتعبير «يومئذ» هو لأن ذلك اليوم يوم الجزاء ، والله يجازيهم على أعمالهم وعقائدهم.
هذا التعبير ـ كما قال بعض المفسّرين ـ يشبه قول الذي يهدد شخصا فيقول : سأعرف ماذا دهاك ، فهو يعرف أمره الآن أيضا ، والقصد أنه سيريه نتيجة ذلك.
نعم ، الله سبحانه عليم وخبير بأسرارنا وما تنطوي عليه نفوسنا كاملا. لكن أثر هذا العلم سيكون أظهر وأوضح عند الجزاء. وهذا التحذير لو دخل دائرة إيمان البشر لكان سدا منيعا بينهم وبين الذنوب العلنية والخفية ، والخارجية والباطنية ،
__________________
(١) الطارق ، الآية ٩.