يتكاثرون؟! يرتجعون منهم أجسادا خوت ، وحركات سكنت ، ولأن يكونوا عبرا أحق من أن يكونوا مفتخرا!!» (١).
هذه الخطبة قسم من خطبة عظيمة يقول عنها ابن أبي الحديد المعتزلي :
«وأقسم بمن تقسم الأمم كلّها به ؛ لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلى الآن أكثر من ألف مرّة ، ما قرأتها قط إلّا وأحدثت عندي روعة وخوفا وعظة ، وأثرت في قلبي وجيبا ، وفي أعضائي رعدة ، ولا تأملتها إلّا وذكرت الموتى من أهلي وأقاربي ، وأرباب ودي ، وخيلت في نفسي أنّي أنّا ذلك الشخص الذي وصف عليهالسلام حاله.
وكم قد قال الواعظون والخطباء والفصحاء في هذا المعنى! وكم وقفت على ما قالوه وتكرر وقوفي عليه! فلم أجد لشيء منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي ؛ فإمّا أن يكون ذلك لعقيدتي في قائله ، أو كانت نية القائل صالحة ، ويقينه كان ثابتا ، وإخلاصه كان محضا خالصا ، فكان تأثير قوله في النفوس أعظم وسريان موعظته في القلوب أبلغ» (٢).
ويقول في مكان آخر : «ينبغي لو اجتمع فصحاء العرب قاطبة في مجلس وتلي عليهم أن يسجدوا» ثمّ يشير إلى قول معاوية حول فصاحة الإمام علي عليهالسلام : «والله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره».
الآيات التالية فيها تهديد شديد لهؤلاء المتكاثرين ، تقول : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) فليس الأمر كما ترون ، وبه تتفاخرون. بل سوف تعلمون عاجلا نتيجة هذا التكاثر الموهوم.
لمزيد من التأكيد يقول سبحانه : (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ).
جمع من المفسّرين ذهبوا إلى أنّ الآيتين تكرار لموضوع واحد وتأكيد عليه.
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢١.
(٢) شرح نهج البلاغة ، ج ١١ ، ص ١٥٣.