تصرّم عمرهم ، أو أنّه عصر بعثة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ المنهج ذا المواد الأربع في ذيل هذه السّورة نزل في هذا العصر.
تتّضح ممّا سبق عظمة آيات القرآن وسعة مفاهيمها. فكلمة واحدة تحمل من المعاني العميقة ما يجعلها صالحة لكل هذه التفاسير المتنوعة.
الآية التالية تحمل الموضوع الذي جاء القسم من أجله ، يقول سبحانه :
(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)
الإنسان يخسر ثروته الوجودية شاء أم أبى ،. تمرّ الساعات والأيّام والأشهر والأعوام من عمر الإنسان بسرعة ، تضعف قواه المادية والمعنوية ، تتناقص قدرته باستمرار.
نعم ، إنّه كشخص عنده ثروة عظيمة ، وهذه الثروة يؤخذ منها كلّ يوم شيء باستمرار رغم إرادته ، هذه طبيعة الحياة الدنيوية ... طبيعة الخسران المستمر!
القلب له قدرة معينة على الضربان ، وحين تنفد هذه القدرة يتوقف القلب تلقائيا دون علّة من عيب أو مرض. هذا إذا لم يكن توقف الضربان نتيجة مرض.
وهكذا سائر الأجهزة الوجودية للإنسان ، وثروات قدراته المختلفة.
«خسر» وخسران ، كما يقول الراغب ، انتقاص رأس المال ، وينسب ذلك إلى الإنسان ، فيقال خسر فلان ، وإلى الفعل فيقال : خسرت تجارته. قال تعالى : (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ). ويستعمل ذلك في المقتنيات الخارجية كالمال والجاه في الدنيا وهو الأكثر ، وفي المقتنيات النفسية كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب ، وهو الذي جعله الله تعالى الخسران المبين ، وقال : «الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين» (١).
الفخر الرازي في تفسير هذه الآية ينقل عن أحد الصالحين ما ملخصه أنّه
__________________
(١) مفردات الراغب ، مادة خسر.