المتعال.
هذه الحادثة تبيّن أنّ المعجزات والخوارق لا تستلزم ـ كما ظنّ بعض ـ وجود النّبي والإمام ، بل تظهر في كلّ ظرف يشاء الله فيه أن تظهر. والهدف منها إظهار عظمة الله سبحانه وحقانية دينه.
هذا العقاب العجيب الأعجازي ، يختلف عمّا نزل من عقاب على امم اخرى مثل طوفان قوم نوح ، وزلزال قوم لوط وإمطارهم بالحجارة ، وصاعقة قوم ثمود ؛ فهذه سلسلة حوادث طبيعية يتمثل إعجازها في حدوثها في تلك الظروف الخاصّة.
أمّا قصّة إبادة جيش أبرهة بحجارة من سجّيل ، ترميها طير أبابيل ، وليست كالحوادث الطبيعية.
تحليق هذه الطيور الصغيرة ، واتجاهها نحو ذلك الجيش الخاص ، ورميه بالحجارة التي تستطيع أن تهشّم أجساد جيش ضخم ... كلّ تلك امور خارقة للعادة. ولكنّها ـ كما نعلم ـ ضئيلة جدّا أمام قدرة الله تعالى.
الله الذي خلق داخل هذه الحجارة قدرة ذرية لو تحررت لولدت انفجارا هائلا ، لقادر على أن يجعل في هذه الحجارة خاصية تستطيع أن تحوّل جيش أبرهة إلى (عصف مأكول).
لسنا في حاجة لأن نذهب إلى ما ذهب إليه بعض المعاصرين في تفسير هلاك جيش أبرهة بمكروبات وباء الحصبة والجدري (١) أو أن نقول إنّ هذه الحجارة كانت ذرات متكافئة أزيلت الفراغات بينها فأصبحت ثقيلة للغاية ، وقادرة على أن تخترق الأجساد.
كلّ هذه تبريرات تستهدف إعطاء صفة طبيعية لهذه الحادثة. ولسنا بحاجة
__________________
(١) تفسير جزء عم ، محمّد عبده ، ص ١٥٨. وذكر المؤرخون طبعا انتشار وباء الحصبة والجدري في بلاد العرب لأوّل مرّة في نفس ذلك العام ، لكن هذا لا ينهض دليلا على أن هلاك جيش أبرهة بتلك الأوبئة.