أحد أصحاب الصادق عليهالسلام وهو «أبو جعفر الأحول» (محمّد بن علي النعماني المعروف بمؤمن الطاق) عن سبب هذا التكرار ، وهل الشخص الحكيم يرد في كلامه مثل هذا التكرار؟
أبو جعفر الأحول أعياه الجواب ، فتوجه إلى المدينة ، ودخل على الإمام الصادق عليهالسلام وسأله عن ذلك ، أجابه الإمام : كان سبب نزولها وتكرارها أن قريشا قالت لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فأصابهم بمثل ما قالوا فقال فيما قالوا تعبد آلهتنا سنة (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ، لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) وفيما قالوا نعبد إلهك سنة (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) وفيما قالوا تعبد آلهتنا سنة (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) وفيما قالوا نعبد إلهك سنة (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
ذهب أبو جعفر الأحول بالجواب إلى أبي شاكر ، فلما سمعه قال : «هذا ما حمله الإبل من الحجاز» (١)! (يشير بذلك إلى أن هذا ليس كلامك بل كلام الصادق).
وقيل إن هذا التكرار يعود إلى أن الجملة الأولى تركز على الحال ، والجملة الثّانية تركز على المستقبل ، ويكون معنى الجملتين لا أعبد ما تعبدون في الحال والمستقبل. ولا يوجد شاهد في الآية على هذا التّفسير.
ثمة تفسير ثالث لهذا التكرار هو إن الأولى تشير إلى الاختلاف في المعبود والثّانية إلى الاختلاف في العبادة. أي لا أعبد الذي تعبدون ، ولا أعبد عبادتكم لأن عبادتي خالصة من الشرك ولأنها عبادة عن وعي وعن أداء للشكر لا عن تقليد أعمى (٢).
والظاهر أن هذا التكرار للتأكيد كما ذكرنا أعلاه ، وجاءت الإشارة إليه أيضا
__________________
(١) تفسير علي بن إبراهيم ، ج ٢ ، ص ٤٤٥.
(٢) بناء على هذا التّفسير «ما» في الآيتين الثّانية والثّالثة موصولة ، وفي الرابعة والخامسة مصدرية (ذكر هذا التّفسير أبو الفتوح الرازي ضمن ذكره لاحتمالات تفسير الآية ج ١٢ ، ص ١٩٢ ، وأشار إليه الطبرسي أيضا).