الله بقلب سليم! (١).
وبعد هذه الأقسام الأربع ، تقول الآية التالية : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ).
والمقصود هم الظالمين لا من القى في النّار ، فالجملة انشائية والمراد هو اللعن والدعاء عليهم.
والأخدود مليء بالنّار الملتهبة : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ).
وكان الظالمون جالسون على حافة الأخدود يشاهدون المعذبين فيها : (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ).
(وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ).
«الأخدود» : ـ على قول الراغب في مفرداته ـ : شقّ في الأرض مستطيل غائص ، والجمع أخاديد ، وأصل ذلك من «خدّ» الإنسان ، وهو تقعر بسيط يكتنف الأنف من اليمين والشمال (وعند البكاء تسيل الدموع من خلاله) ثمّ اطلق مجازا على الخنادق والحفر في الأرض ، ثمّ صار معنى حقيقيا لها.
أمّا من هم الذين عذّبوا المؤمنين؟ ومتى؟ فللمفسّرين وأرباب التواريخ آراء مختلفة ، سنستعرضها إنشاء الله في بحوث قادمة.
ولكنّ القدر المسلم به ، إنّهم حفروا خندقا عظيما ووجّروه بالنيران ، وأوقفوا المؤمنين على حافة الخندق وطلبوا منهم واحدا واحدا بترك إيمانهم والرجوع إلى الكفر ، ومن رفض القي بين ألسنة النيران حيا ليذهب إلى ربّه صابرا محتسبا!
«الوقود» : ما يجعل للاشتعال ، و «ذات الوقود» : إشارة الى كثرة ما فيها من الوقود ، وشدّة اشتعالها ، فالنّار لا تخلو من وقود ، ولعل ما قيل من أن «ذات الوقود» بمعنى ذات اللهب الشديد ، يعود للسبب المذكور ، وليس كما ذهب به البعض من كون «الوقود» يطلق على معنيين : «الحطب» وعلى «شعلة النّار» أيضا
__________________
(١) وعليه ، فجواب القسم محذوف ويدل عليه قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) أو : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ). والتقدير : (اقسم بهذه الأمور إنّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات معذبون ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود).