عرفها التاريخ حركة الاسماعيلية ، فقد قدروا على توفيق ما لم يوفق من مصالح طبقات النّاس المتباينة وهذا تاريخ الإنسانية كله يشهد شهادة صادقة على أنه لم يقم حتى اليوم وأرجح انه لن يقوم في المستقبل ، حزب أو دين أو مذهب أو جميعة ، أو شركة تضم تحت لوائها الغالبين والمغلوبين ، وأصحاب الأفكار الدينية ، والمتعصبين للدّين من جميع الطوائف ، وتتخذ المؤمنين واسطة لنقل السلطة إلى الكافرين ، وتستعمل الغالبين آلة لهدم ما بنوه من الملك وتسليمه إلى غيرهم
ثم هي تؤلف حزبا كبيرا متلاحما مطيعا تستند عليه لوضع تاج الملك عند سنوح الفرصة إن لم يكن على رأس مؤسس ذلك المذهب فعلى رأس أحد خلفائه : هذه كانت غاية عبد الله بن ميمون القداح الأساسية وهذه كانت أفكاره ، وهي كما نرى أفكار غريبة مدهشة جريئة ، وقد ساعده على تحقيقها دهاؤه النادر ، ولياقته الغريبة ، ومعرفته العميقة لمصالح الناس ، فلو فتّشت صفوف الإسماعيلية لوجدت بينها ممثلي جميع الأمم الخاضعة يومئذ لخلفاء بغداد ، من عرب وعجم وكرد وترك غيرهم : وجميع الأحزاب السياسية والاجتماعية ، ولرأيت بينهم الفوضويين والشيوعيين على إختلاف نحلهم ومبادئهم ، وممثلى جميع الاديان والمذاهب ، من السنية والشيعة إلى الملحدين والدهريين ، وغاية الكل واحدة (١) ، وهدفهم الوصول إلى نتائج لم يصل إليها أحد قبلهم ، وهذا من غرائب الأمور ، ولهم أسرار لا يطّلع عليها إلّا من قطع مراتب ، أو مراحل التكرس المطلوبة ، واقسم القسم الغليظ أمام الداعي وهذه أسماء الدرجات :
التفرس التأنيس التشكيك التعليق الربط التدليس التأسيس : ولكل درجة من هذه الدرج علم يتلقاه المدعو (٢) في تلك الدّرجة ومن قواعد هذه
__________________
(١) اي الغاية السياسية.
(٢) وقد أشار إلى ذلك المقريزي في خططه.