وحذر أشد الحذر من إحتشاد الصّليحي فأخذ يستغيث بأخيه فبعث إليه بقوت من الطعام والزبيب ، وأصبح ذو الشرفين يكاتب بني شهاب ويستنصرهم ويستفزّهم ، ويبذل لهم الرغائب ، ويكاتبهم بالشعر البليغ ، وهو غير آمن على نفسه إلّا إذا سلم إليه بنو شهاب رهائن من رجالهم يثق بهم ، ويكونون رمز الطاعة والإخلاص ، وعقيب ذلك ، وصل المكرم بجنده قاصدا بيت بوس ، وقرن عنتر (١) ومناجزة بني شهاب ، فدارت بين الفريقين معركة حامية الوطيس ، أنتهت بهزيمة الصليحي ، وعاد في حافرته إلى صنعاء واجتمعت القبائل ، بجوار صنعاء ، ووصلت خيل الأمير ذي الشوفين إلى غيل البرمكي (٢) ، ووقع الحصار على صنعاء حتى هلك أكثر النّاس جوعا ، من جرّاء عدم إستطاعة خروج أحد ، قال مفرح بن أحمد : وصار لا يخرج لهم سرح (٣) ولا مال ولا رسول ، إلّا قبض وقتل ، وجاعوا جوعا شديدا وقال بعض شعرائهم :
وكم من سيّد بطل همام |
|
على باب المدينة مات جوعا |
إضطراب الحبل وانعكاس الأمور
بينما الأشراف مغتبطون بما نالوه من النفوذ ، وما أنزلوه بعدوهم ألألّد من ضروب التنكيل ، وافانين المضايقة ، إذ بالأمور تدبر والاجواء تغيم ، والحبل يضطرب ، والنفوذ ينكمش ، وإذ بمشارق اليمن الخاضعة لهم ، قد تنكّرت ولبست جلد النّمر ، وظهرت لهم بمظهر العدوّ ، إذا بالمغارب مثل مسور ، وحناش ، وملحان ، والحيمة ، وغيرها ، تنتقض وتهيج ، وتصرخ وتثور قال كاتب سيرة ذي الشرفين في بيان السّبب الباعث لهذه الانقلابات وهذه التصوّرات التي فاجأتهم بها. ولما يستتب لهم الأمر إلّا بضعة أيّام في عدة
__________________
(١) قرن عنتر قال في أنباء الزمن ويعرف الآن بظفار فوق بيت سبطان من الجنوب (ص).
(٢) غيل البرمكي : من أنهار صنعاء الجارية في ذلك الوقت اندثر منذ مدة.
(٣) المال السّائم وفي الحديث انما المشركون على سرح بالمدينة.