وفي العفو ضعف والعقوبة قوة |
|
إذا كنت تعفو عن كفور وتصفح |
بهذه الفكرة الشاذة والنفسيّة المزدوجة قضى على وزيره أبي طاهر الأموي المرواني وكان من أفراد الذّهر نبلا وفضلا ، وهو الذي صحبه إلى الهند وكان له الأثر الصّالح في إعادة الملك إليه فعاهده إن عاد الأمر إليه ليقاسمنّه الملك وقد وفّى له الحبشي واستوزره وسمّاه قسيم الملك ولما أراد أن يتزوّج إمرأة من الفرسانيين أهل موزع ، تمنع بعض أهلها فأرسل وزيره هذا لاستدراجهم واستمالتهم ، وبناء على ماله من مكانة في النفوس استشاره أولياء المرأة فأشار عليهم بالامتناع لأنّهم يرجعون في النسب إلى تغلب ، والحبشي غير كفوء للعربي لا هكذا أشار عليهم الوزير فاستدرجهم الحبشي بالمال حتى رضوا ولما سألهم عن سبب امتناعهم ذكروا له ما اشار به الوزير ، فلم يتورّع الأمير الحبشي عن قتل وزيره ظلما وعدوانا.
وكأنه قد وخزه الضمير وأنّبه الوجدان ، وأهاب العدل وسمع صوت الحقّ يلومه ويقبح فعله لاذ بنزعات الطغاة وشذوذ العتاة ، فاستروح لكلمة الطاغية بن الزيات (١) المأثورة إذا قال له المعذّب أرحمني قال : (الرحمة خور في الطبيعة) فرقص على ذلك الإيقاع ونظم الأبيات المتقدمة ، قال الخزرجي وقد قتله يقول ابن القم (٢) :
أخطأت يا جياش في قتل الحسن |
|
فقأت والله به عين الزمن |
ولم يكن منطويا على دخن |
|
مبرا من الفسوق والدّرن |
كان جزاه حين ولاك اليمن |
|
قتلكه ودفنه بلا كفن |
قال ولما قتل جياش الحسن استعظم الناس ذلك من جياش ، لأنه كان موصوفا بالعدل والحلم معظما للعلماء مبجّلا لهم سيما الحسن بن أبي عقامة
__________________
(١) ابن الزيات هو محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة المعروف بابن الزيات وزر للمعتصم والواثق من بني العباس توفي سنة ٢٣٣.
(٢) الخزرجي وأنباء الزمن والجندي.