علم الإمام بذلك أراد أن يغزوهم وطلب من خولان وبلاد حيدان مناصرته ، فقالوا له : انا قد خرجنا معك مخارج كثيرة فلزمت على أيدينا وأطلقت أيدي بني جماعة في مخرج نجران ، فسار عنهم مغاضبا ، فلقيه جماعة من مشائخ بني جماعة فأخبرهم بخبره فأجابوه بالسمع والطاعة ، وانضم إليهم بنو بحر ، وقصدوا ابن القدمي إلى مجن ، وكان قد تحصّن منهم في درب حصين ، ولما عاينوا مناعة الحصن طلب رؤساء العسكر من الإمام الإمساك عن الحرب وسعوا في الصّلح فقال لهم الإمام : أنا لا أرضى إلّا بتنفيذ قول الله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية (١) في ابن القدمي ، فقالوا له : سنأتيك به لتنفذ فيه ما أردت ، فلما كان من الغد وصلوا بأخ له وأربعة معه وقالوا دونك هؤلاء فقيدهم واحبسهم أمّا محمد بن القدمي فإنه هرب في اللّيل فقيّدهم الإمام ، ثم علم ان ابن القدمي لم يخرج من الدّرب ، وانما اختفى فغضب الإمام وأطلق المقيدين ، وأمر ابن القدمي ان يذهب إلى أخيه ، وإذن لذلك الجمع أن ينصرف لأنه عرف فيهم عدم النّصح ، وعزم على اعادة الكرة على ابن القدمي ، في فرصة أخرى فتفرّق عنه أصحابه ، وبقي في أربعين رجلا منهم ، فأراد أهل الحقل وابن القدمي إنتهاز الفرصة لقّلة من معه ، وباغتوه في ثمانين رجلا من خيارهم ، فثبت لهم الإمام حتى أعياهم ، فتفرقوا عنه وامسكوا ، وكانت الحرب بمجن ، ولما علمت القبائل القريبة هبّوا سراعا لنصرة الإمام ، وقالوا : قد اجتهدنا في إغفال الحرب عن ابن القدمي بمخرجك إلى الشام ، والآن لا عذر لنا عن حربه ونكاله ، لما كان منه ، وكذلك فعلت القبائل البعيدة فشدّدوا الحصار والمضايقة لابن القدمي وأصحابه ، حتى أجلوهم عن الدّرب (٢) وهربوا منه ، فهدمه الإمام وكبس خندقه وبئره وأحرق أبوابه وأخشابه ، بعد أن قتل من أهل الدّرب ثلاثة رجال ، وفي ذلك الوقت قال الإمام قصيدته التي أولها :
__________________
(١) الآية ٢٣ سورة المائدة.
(٢) يتكرر ذكر الدرب هنا وهو ما يقابل الحارة أو الضاحية في كلام الناس.