٢٨٠ (١) فوصل إلى الشرفة قرب صنعاء ومكث بها مدة ، اشتغل فيها بنشر مبادىء الإصلاح وتهذيب العقول ، ولكن الأمة كانت اذ ذاك في سبات عميق وجمود جاف ، وغفلة سادت على العقول واستولت على الأفكار ، فمنعتها عن التفكير في الوسائل المخلصة من آفات المقاصد الذّاتية والمطامع الشخصية ، فساءه ما عرف من خراب في الذّمم ، وفساد في الضمائر ، وتيقن ان الاصلاح لا يستسيغونه بحال وما لبث أن غادر إلى بلده بالحجاز وبقيت الأمة ترزح بأصارها (٢) وتنوء بأعبائها وشملها ما لا يطاق من البلاء والأرزاء والفتن العمياء ، والغارات الشعواء كف (٣) تقصيرهم ومعاندتهم للحق وأهله ، ولما اشتد بهم الحال وأضربهم البلاء كتبوا إلى الإمام الهادي يسألون النهوض اليهم ، ويعلمونه بتوبتهم ورجوعهم إلى الله من خطاياهم ، وعند ذلك رأى من الواجب عليه تلبية دعوة أهل اليمن وامتشاق الحسام لإصلاح الفاسد ، وتقويم مناد (٤) المعاند ، واحياء ما اندرس من معالم الدين ونصر شريعة سيد المرسلين واقتحام الغمرات في سبيل ذلك :
فالحق أخفى ما يكون مجرّدا |
|
وتراه أوضح ما يكون مدرعا |
ولم يحفل بما كان من تقصير اليمنيين وخذلانهم ، ولا بالى بما أمامه من العقبات ، بوجود الطامحين إلى السيادة من أهل اليمن والمتغلبين من غيرهم ، واثقا بنفسه معتمدا على ربّه ، لا يثنيه عن وثبته العلوية ، طول المدى ووعورة الطريق غايته احدى الحسنيين الفوز أو الشهادة ولسان الحال منه تنشد :
__________________
(١) باستدعاء من بني فطيمة من قبائل خولان صعدة بعد وصوله الى الرسّ من ارض الحجاز كما في أنباء الزمن.
(٢) جمع أصر وهو الذنب.
(٣) كذا في الأصل.
(٤) كذا.