بالموقف من العسكر ، وخرج دحية بن المعصب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان بالصعيد ، ونابذ ، ودعا إلى نفسه بالخلافة ، فتراخى عنه إبراهيم ، ولم يحفل بأمره حتى ملك عامّة الصعيد ، فسخط المهديّ لذلك ، وعزله عزلا قبيحا لسبع خلون من ذي الحجة سنة سبع وستين ، فوليها ثلاث سنين.
ثم ولي : موسى بن مصعب بن الربيع من أهل الموصل على الصلاة والخراج من قبل المهديّ ، فقدم لسبع خلون من ذي الحجة المذكور ، فردّ إبراهيم ، وأخذ منه وممن عمل له ثلثمائة ألف دينار ، ثم سيره إلى بغداد ، وشدّد موسى في استخراج الخراج ، وزاد على كل فدّان ضعف ما يقبل به ، وارتشى في الأحكام ، وجعل خرجا على أهل الأسواق ، وعلى الدواب ، فكرهه الجند ونابذوه ، وثارت قيس واليمانية ، وكاتبوا أهل الفسطاط ، فاتفقوا عليه وبعث بجيش إلى قتال دحية بالصعيد ، وخرج في جند مصر كلهم لقتال أهل الحوف.
فلما التقوا انهزم عنه أهل مصر بأجمعهم ، وأسلموه فقتل من غير أن يتكلم أحد من أهل مصر لتسع خلون من شوّال سنة ثمان وستين ومائة ، فكانت ولايته عشرة أشهر ، وكان ظالما غاشما سمعه الليث بن سعد يقرأ في خطبته : : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) ، فقال الليث : اللهم لا تمقتنا.
ثم ولي : عسامة بن عمرو (١) باستخلاف موسى بن مصعب ، وبعث إلى دحية جيشا مع أخيه بكار بن عمرو ، فحارب يوسف بن نصير ، وهو على جيش دحية ، فتطاعنا ووضع يوسف الرمح في خاصرة بكار ، ووضع بكار الرمح في خاصرة يوسف فقتلا معا ، ورجع الجيشان منهزمين ، وذلك في ذي الحجة ، وصرف عسامة لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة بكتاب ورد عليه من الفضل بن صالح بأنه ولي مصر ، وقد استخلفه ، فخلعه إلى سلخ المحرّم سنة تسع وستين ومائة.
ثم قدم الفضل بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس سلخ المحرّم المذكور في جيوش الشام ، ومات المهديّ في المحرّم هذا ، وبويع موسى الهادي ، فأقرّ الفضل ، وقدم مصر يضطرب من أهل الخوف ومن خروج دحية ، فإنّ الناس كانوا قد كاتبوه ودعوه ، فسير العساكر حتى هزم دحية ، وأسر وسيق إلى الفسطاط فضربت عنقه ، وصلب في جمادى الآخرة سنة تسع وستين ، فكان الفضل يقول : أنا أولى الناس بولاية مصر ، لقيامي في أمر دحية ، وقد عجز عنه غيري فعزل ، وندم على قتل دحية ، والفضل هو الذي بنى الجامع بالعسكر في سنة تسع وستين ، فكانوا يجمعون فيه.
__________________
(١) ولي مصر من قبل المهدي وكان من ذوي الرأي والشجاعة توفي بمصر سنة ١٧٦ ه. الأعلام ج ٤ / ٢٣٣.