العلويين في ولايته شدائد ، ومات المتوكل في شوّال ، وبويع ابنه محمد المنتصر ، ومات الفتح بن خاقان ، فأقرّ المنتصر يزيد على مصر ، ثم مات المنتصر في ربيع الأوّل سنة ثمان وأربعين ، وبويع المستعين ، فورد كتابه بالاستسقاء لقحط كان بالعراق ، فاستسقوا السبع عشرة خلت من ذي القعدة ، واستسقى أهل الآفاق في يوم واحد ، وخلع المستعين في المحرّم سنة اثنتين وخمسين ، وبويع المعتز ، فخرج جابر بن الوليد بأرض الإسكندرية ، وكانت هناك حروب ابتدأت من ربيع الآخر ، فقدم مزاحم بن خاقان من العراق معينا ليزيد في جيش كثيف لثلاث عشرة بقيت من رجب ، فواقعهم حتى ظفر بهم ، ثم صرف يزيد ، وكانت مدّته عشر سنين ، وسبعة أشهر وعشرة أيام.
فولي مزاحم بن خاقان بن عرطوج أبو الفوارس التركيّ لثلاث خلون من ربيع الأوّل سنة ثلاث ، وخمسين ومائتين على الصلاة من قبل المعتز ، وخرج إلى الحوف ، فأوقع بأهله وعاد ، ثم خرج إلى الجيزة ، فسار إلى تروجة ، فأوقع بأهلها ، وأسر عدّة من أهل البلاد ، وقتل كثيرا ، وسار إلى الفيوم ، فطاش سيفه ، وكثر إيقاعه بسكان النواحي وعاد.
وولي الشرطة أرجوز ، فمنع النساء من الحمامات والمقابر ، وسجن المؤنثين والنوائح ، ومنع من الجهر بالبسملة في الصلاة بالجامع في رجب سنة ثلاث وخمسين ، ولم يزل أهل مصر على الجهر بها في الجامع منذ الإسلام إلى أن منع منها : أرجوز ، وأخذ أهل الجامع بتمام الصفوف ، ووكل بذلك رجلا من العجم يقوم بالسوط من مؤخر المسجد ، وأمر أهل الحلق بالتحوّل إلى القبلة قبل إقامة الصلاة ، ومنع من المساند التي يستند إليها ، ومن الحصر التي كانت للمجالس في الجامع ، وأمر أن تصلى التراويح في رمضان خمس تراويح ، ولم يزل أهل مصر يصلونها ستا إلى شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين ، ومنع من التثويب ، وأمر بالأذان يوم الجمعة في مؤخر المسجد ، وأن يغلس بصلاة الصبح ، ونهى أن يشق ثوب على ميت أو يسوّد وجه ، أو يحلق شعر ، أو تصيح امرأة ، وعاقب في ذلك ، وشدّد فيه ، ثم مات مزاحم لخمس مضين من المحرّم سنة أربع وخمسين.
فاستخلف ابنه أحمد بن مزاحم ، فولي باستخلاف أبيه على الصلاة إلى أن مات لسبع خلون من ربيع الآخر ، فكانت ولايته شهرين ويوما ، فاستخلف أرجوز بن أولع طرخان التركيّ على الصلاة ، فولي خمسة أشهر ونصفا ، وخرج أوّل ذي القعدة بعد أن صرف بأحمد بن طولون (١) في شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين ، وإليه كان أمر البلد جميعه ، من أيام مزاحم ، وفي أيام ابنه أحمد أيضا ، والله تعالى أعلم.
__________________
(١) صاحب الديار المصرية والشامية والثغور تركي مستعرب كان شجاعا جوادا حسن السيرة موصوفا بالشدة على خصومه والفتك بهم. ولد سنة ٢٢٠ ه وتوفي سنة ٢٧٠ ه. الأعلام ج ١ / ١٤٠.