فأقام كافور أخاه عليّ بن الإخشيد أبا الحسن لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة ، فأقرّ المطيع لله على الحرب والخراج بمصر والشام والحرمين ، وصار خليفته على ذلك كافور غلام أبيه ، وأطلق له ما كان يطلق لأخيه في كل سنة ، وفي سنة إحدى وخمسين ترفع السعر ، واضطربت الإسكندرية والبحيرة بسبب المغاربة الواردين إليها ، وتزايد الغلاء ، وعز وجود القمح ، وقدم القرمطيّ إلى الشام في سنة ثلاث وخمسين ، وقلّ ماء النيل ، ونهبت ضياع مصر ، وتزايد الغلاء ، وسار ملك النوبة إلى أسوان ، ووصل إلى إخميم ، فقتل ونهب وأحرق ، واشتدّ اضطراب الأعمال ، وفسد ما بين كافور وبين عليّ بن الإخشيد ، فمنع كافور من الاجتماع به ، واعتلّ عليّ بعد ذلك علة أخيه ، ومات لإحدى عشرة خلت من المحرّم سنة خمس وخمسين وثلثمائة ، فحمل إلى القدس ، وبقيت مصر بغير أمير أياما ، ولم يدع بها إلّا للمطيع لله وحده ، وكافور يدبر أمورها ، ومعه أبو الفضل جعفر بن الفرات.
ثم ولي كافور الخصيّ الأسود مولى الإخشيد من قبل المطيع على الحرب والخراج ، وجميع أمور مصر والشام والحرمين ، فلم يغير لقبه ، وإنما كان يدعى ويخاطب بالأستاذ (١) ، وأخرج كتاب المطيع بولايته لأربع بقين من المحرّم سنة خمس وخمسين ، فلم يزل إلى أن توفي لعشر بقين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلثمائة.
فولي أحمد بن عليّ (٢) الإخشيد أبو الفوارس وسنة إحدى عشرة سنة في يوم وفاة كافور ، وجعل الحسين بن عبيد الله بن طغج يخلفه ، وأبو الفضل جعفر بن الفرات يدبر الأمور وسمول الإخشيديّ (٣) العساكر إلى أن قدم جوهر القائد من المغرب بجيوش المعز لدين الله في سابع عشر شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ، ففرّ الحسين بن عبيد الله ، وتسلم جوهر البلاد ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، فكانت مدّة الدعاء لبني العباس بمصر ، منذ ابتدئت دولتهم إلى أن قدم القائد جوهر إلى مصر : مائتي سنة ، وخمسا وعشرين سنة ، ومدّة الدولة الإخشيدية بها أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر ، وأربعة وعشرين يوما ، ومنذ افتتحت مصر إلى أن انتقل كرسيّ الإمارة منها إلى القاهرة ثلثمائة سنة وسبع وثلاثون سنة وأشهر ، والله تعالى أعلم.
__________________
(١) الأستاذ : من الألقاب العامة التي استخدمت في العصر العباسي. حيث كان يطلق على الخصيان من الغلمان المعبر عنهم في عصر المماليك : بالطواشية واستمر هذا اللقب في العهد الفاطمي. أما في العصر التركي فيطلق على رب النعمة. وقد يطلق على الصانع وهو تحريف عن لقب (الأسطى).
النجوم الزاهرة ج ٤ / ٣.
(٢) هو أحمد بن علي بن الإخشيد : محمد بن طغج بن جف الفرغاني ولي مصر سنة ٣٥٧ ه وله من العمر إحدى عشرة سنة واستمر إلى أن دخل جوهر الصقلي مصر سنة ٣٥٨ ه. النجوم الزاهرة ج ٤.
(٣) ورد الاسم عند ابن خلكان / شمول /. وفي تاريخ الإسلام للذهبي / سموءل /.