وقال أبو سعيد (١) عبد الرحمن بن أحمد بن يونس في تاريخ مصر : حدّثني بعض أصحابنا بتفسير رؤيا رآها غلام ابن عقيل الخشاب عجيبة ، فكانت حقا ، كما فسرت ، فسألت غلام ابن عقيل عنها؟ فقال لي : أنا أخبرك ، كان أبي في سوق الخشابين فأنفق بضاعته ، ورثت حاله وماله ، فأسلمتني أمي إلى ابن عقيل ، وكان صديقا لأبي ، فكنت أخدمه ، وأفتح حانوته وأكنسها ، ثم أفرش ما يجلس عليه ، فكان يجري عليّ رزقا أتقوّت به ، فأتى يوما في الحانوت ، وقد جلس أستاذي ابن عقيل ، فجاء ابن العسال مع رجل من أهل الريف يطلب عود خشب لطاحونة ، فاشترى من ابن عقيل عود طاحونة بخمسة دنانير ، فسمعت قوما من أهل السوق يقولون : هذا ابن العسال المفسر للرؤيا عند ابن عقيل ، فجاء منهم قوم ، وقصوا عليه منامات رأوها ، ففسرها لهم ، فذكرت رؤيا رأيتها في ليلتي ، فقلت له : إني رأيت البارحة في نومي كذا وكذا ، فقصصت عليه الرؤيا ، فقال لي : أيّ وقت رأيتها من الليل ، فقلت : انتبهت بعد رؤياي في وقت كذا ، فقال لي : هذه رؤيا لست أفسرها إلّا بدنانير كثيرة ، فألححت عليه ، فقال أستاذي ابن عقيل : إن قرّبت علينا وزنت أنا لك ذلك من عندي ، فلم يزل به ينزله ، حتى قال : والله لا آخذ أقل من ثمن العود الخشب خمسة دنانير ، فقال له ابن عقيل : إن صحت الرؤيا دفعت إليك العود بلا ثمن ، فقال له : يأخذ مثل هذا اليوم ألف دينار ، قال أستاذي : فإذا لم يصح هذا ، فقال : يكون العود عندك إلى مثل هذا اليوم ، فإن كان لم يصح أخذ ما قلت له في ذلك اليوم ، فليس لي عندك شيء ، ولا أفسر رؤيا أبدا ، فقال له أستاذي : قد أنصفت ومضت الجمعة ، فلما كان مثل ذلك اليوم غدوت مثل ما كنت أغدو إلى دكان أستاذي ، ففتحتها ورششتها ، واستلقيت على ظهري أفكر فيما قال لي ، ومن أين يمكن أن يصير إليّ ألف دينار ، فقلت : لعل سقف المكان ينفرج ، فيسقط منه هذا المال ، وجعلت أجيل فكري ، وإني كذلك إلى ضحى إذ وقف عليّ جماعة من أعوان الخراج معهم ناس ، فقالوا : هذه دكان ابن عقيل؟ ثم قالوا لي : قم ، فقلت لهم : لست ابن عقيل ، أنا غلامه ، فقالوا : بل أنت ابنه ، وجبذوني ، فأخرجوني من الدكان ، فقلت : إلى أين؟ فقالوا : إلى ديوان الأستاذ أبي عليّ الحسين بن أحمد يعنون أبا زنبور ، فقلت : وما يصنع بي؟ فقالوا : إذا جئت سمعت كلامه ، وما يريده منك ، وكنت بعقب علة ضعيف البدن ، فقلت : ما أقدر أمشي ، فقالوا : اكتر حمارا تركبه ، ولم يكن معي ما أكتري به حمارا ، فنزعت تكة سراويلي من وسطي ، ودفعتها على درهمين لمن أكراني الحمار ، ومضيت معهم ، فجاءوا بي إلى دار أبي زنبور ، فلما دخلت قال لي : أنت ابن عقيل؟ فقلت : لا يا سيدي ، أنا غلام في حانوته ، قال ، : أفليس تبصر قيمة الخشب؟ قلت : بلى ، قال : فاذهب مع هؤلاء ، فقوّم لنا هذا الخشب ، فانظر بحيث لا يزيد ولا ينقص ، فمضيت
__________________
(١) مؤرخ محدث له تاريخان أحدهما (أخبار مصر ورجالها) وهو والد العالم الفلكي ابن يونس ولد سنة ٢٨١ ه وتوفي سنة ٣٤٧ ه ، الأعلام ج ٣ / ٢٩٤.