معهم ، فجاءوا بي إلى شط البحر إلى خشب كثير من أثل وسنط جاف ، وغير ذلك مما يصلح لبناء المراكب ، فقوّمته تقويم جزع ، حتى بلغت قيمته ألفي دينار ، فقالوا لي : انظر هذا الموضع الآخر فيه من الخشب أيضا ، فنظرت فإذا هو أكثر مما قوّمت بنحو مرّتين فأعجلوني ، ولم أضبط قيمة الخشب ، فردّوني إلى أبي زنبور ، فقال لي : قوّمت الخشب كما أمرتك؟ ففزعت ، فقلت : نعم ، فقال : هات كم قوّمته ، فقلت : ألفا دينار ، فقال : انظر لا تغلط ، فقلت : هو قيمته عندي ، فقال لي : فخذه أنت بألفي دينار ، فقلت : أنا فقير لا أملك دينارا واحدا ، فكيف لي بقيمته ، قال : ألست تحسن تدبيره وتبيعه؟ فقلت : بلى ، قال : فدبره وبعه ونحن نصبر عليك بالثمن إلى أن تبيع شيئا شيئا ، وتؤدّي ثمنه ، فقلت : أفعل ، فأمر بكتاب يكتب عليّ في الديوان بالمال ، فكتب عليّ ، ورجعت إلى الشط أعرف عدد الخشب ، وأوصي به الحرّاس ، فوافيت جماعة أهل سوقنا ، وشيوخهم قد أتوا إلى موضع الخشب ، فقالوا لي : إيش صنعت؟ قوّمت الخشب؟ قلت : نعم ، قالوا : بكم قوّمته؟ فقلت : بألفي دينار ، فقالوا لي : وأنت تحسن تقوّم؟ لا يساوي هذا هذه القيمة ، فقلت لهم : قد كتب عليّ كتاب في الديوان ، وهو عندي يساوي أضعاف هذا ، فقالوا لي : اسكت لا يسمعك أحد ، وكانوا قد قوّموه قبلي لأبي زنبور بألف دينار ، فقال بعضهم لبعض : أعطوا هذا ربحه ، وتسلموه أنتم ، فقال قائل : أعطوه ربحه خمسمائة دينار ، فقلت : لا والله لا آخذ ، فقالوا : قد رأى رؤيا ، فزيدوه ، فقلت : لا والله لا آخذ أقلّ من ألف دينار ، قالوا : فلك ألف دينار ، فحوّل اسمك من الديوان نعطك إذا بعنا ألف دينار ، فقلت : لا والله لا أفعل حتى آخذ الألف دينار في وقتي هذا ، فمضوا إلى حوانيتهم ، وإلى منازلهم حتى جاءوني بألف دينار ، فقلت : لا آخذها إلا بنقد الصيرفيّ وميزانه ، فمضيت معهم إلى صيرفيّ الناحية ، حتى وزنوا عنده الألف دينار ، ونقدتها وأخذتها فشددتها في طرف رداءي ، فمضيت معهم إلى الديوان ، وحوّلت أسماءهم مكان اسمي ، ووفوا حتى الديوان من عندهم ، ورجعت وقت الظهر إلى أستاذي ، فقال لي : قبضت ألف دينار منهم؟ فقلت : نعم ببركتك ، وتركت الدنانير بين يديه ، وقلت له : يا أستاذ خذ ثمن العود الخشب ، فقال : لا والله لا آخذ منك شيئا أنت عندي مقام ابني ، وجاء في الوقت ابن العسال ، فدفع إليه أستاذي العود الخشب ، فمضى ، فهذا خبر رؤياي وتفسيرها ، فتأمّل أعزك الله ما يشتمل عليه من عظم ما كانت عليه مصر ، وسعة حال الديوان ، وكيف فضل فيه خشب يساوي آلافا من الذهب ، ونحن اليوم في زمن إذا احتيج فيه إلى عمارة شيء من الأماكن السلطانية بخشب أو غيره أخذ من الناس إما بغير ثمن أو بأخس القيم ، مع ما يصيب مالكه من الخوف والخسارة للأعوان ، وكيف لما قوّم هذا الخشب لم يكلف المشتري دفع المال في الحال ، وفي زمننا إذا طرحت البضاعة السلطانية على الباعة يكلفون حمل ثمنها بالسرعة ، حتى أنّ فيهم من يبيعها بأقلّ من نصف ما اشتراها به ، ويكمل الثمن إمّا من ماله ، أو يقترضه بربح ، وكيف لما علم أهل السوق أن الخشب بيع بدون القيمة