بني العباس عندما غصوا بمكان الفاطميين ، فإنهم كانوا قد اتصلت دولتهم نحوا من مائتين وسبعين سنة ، وملكوا من بني العباس : بلاد المغرب ومصر والشام وديار بكر والحرمين واليمن ، وخطب لهم ببغداد نحو أربعين خطبة ، وعجزت عساكر بني العباس عن مقاومتهم ، فلاذت حينئذ بتنفير الكافة عنهم بإشاعة الطعن في نسبهم ، وبث ذلك عنهم خلفاؤهم ، وأعجب به أولياؤهم ، وأمراء دولتهم الذين كانوا يحاربون عساكر الفاطميين كي يدفعوا بذلك عن أنفسهم وسلطانهم معرّة العجز عن مقاومتهم ودفعهم عما غلبوا عليه من ديار مصر والشام والحرمين ، حتى اشتهر ذلك ببغداد ، وأسجل القضاة بنفيهم من نسب العلويين.
وشهد بذلك من أعلام الناس جماعة منهم الشريفان : الرضي والمرتضى ، وأبو حامد الإسفراينيّ والقدوريّ في عدّة وافرة عندما جمعوا لذلك في سنة اثنتين وأربعمائة أيام القادر ، وكانت شهادة القوم في ذلك على السماع لما اشتهر وعرف بين الناس ببغداد ، وأهلها ، إنما هم شيعة بني العباس الطاعنون في هذا النسب ، والمتطيرون من بني عليّ بن أبي طالب الفاعلون فيهم منذ ابتداء دولتهم الأفاعيل القبيحة ، فنقل الإخباريون وأهل التاريخ ذلك كما سمعوه ، ورووه حسب ما تلقوه من غير تدبر ، والحق من وراء هذا ، وكفاك بكتاب المعتضد من خلائف بني العباس حجة ، فإنه كتب في شأن عبيد الله إلى ابن الأغلب بالقيروان ، وابن مدرار بسلجماسة بالقبض على عبيد الله ، فتفطن أعزك الله لصحة هذا الشاهد ، فإنّ المعتضد لولا صحة نسب عبيد الله عنده ما كتب لمن ذكرنا بالقبض عليه إذ القوم حينئذ لا يدعون لدعيّ البتة ، ولا يذعنون له بوجه ، وإنما ينقادون لمن كان علويا ، فخاف مما وقع ، ولو كان عنده من الأدعياء لما مرّ له بفكر ، ولا خافه على ضيعة من ضياع الأرض ، وإنما كان القوم أعني بني عليّ بن أبي طالب تحت ترقب الخوف من بني العباس ، لتطلبهم لهم في كل وقت ، وقصدهم إياهم دائما بأنواع من العقاب ، فصاروا ما بين طريد شريد ، وبين خائف يترقب ، ومع ذلك فإن لشيعتهم الكثيرة المنتشرة في أقطارهم من المحبة لهم ، والإقبال عليهم ، ما لا مزيد عليه ، وتكرّر قيام الرجال منهم مرّة بعد مرّة ، والطلب عليهم من ورائهم ، فلاذوا بالاختفاء ، ولم يكادوا يعرفون حتى تسمى محمد بن إسماعيل الإمام جدّ عبيد الله المهديّ بالمكتوم سماه بذلك الشيعة عند اتفاقهم على إخفائه حذرا من المتغلبين عليهم.
وكانت الشيعة فرقا فمنهم : من كان يذهب إلى أنّ الإمام من ولد جعفر الصادق هو إسماعيل ابنه ، وهؤلاء يعرفون ممن بين فرق الشيعة : بالإسماعيلية من أجل أنهم يرون أنّ الإمام من بعد جعفر ابنه إسماعيل ، وأنّ الإمام بعد إسماعيل بن جعفر الصادق هو ابنه محمد المكتوم ، وبعد ابنه محمد المكتوم ابنه جعفر الصادق ، ومن بعد جعفر الصادق ابنه محمد الحبيب ، وكانوا أهل غلوّ في دعاويهم في هؤلاء الأئمة ، وكان محمد بن جعفر هذا يؤمّل ظهوره ، وأنه يصير له دولة ، وكان باليمن من أهل هذا المذهب كثير يعدن بإفريقية ، وفي