فتسامعت به القبائل ، وأتوه فعظم أمره وهو لا يذكر اسم المهديّ البتة ، فبلغ خبره إبراهيم بن أحمد بن الأغلب أمير إفريقية ، فبعث يسأل عن خبره ، وكانت له معه قصص آلت إلى قيام أبي عبد الله ومحاربته لمن خالفه ، فظفر بهم ، وصارت إليه أموالهم ، وغلب على مدائن ، وهزم جيوش ابن الأغلب ، وقتل كثيرا من أصحابه ، فمات إبراهيم بن الأغلب ، وولي زيادة الله بن الأغلب ، وكان كثير اللهو ، فقوي أمر أبي عبد الله ، وانتشرت جنوده في البلاد ، وصار يقول : المهديّ يخرج في هذه الأيام ، ويملك الأرض فيا طوبى لمن هاجر إليّ ، وأطاعني ويغري الناس بزيادة الله بن الأغلب ويعيبه ، وكان أكثر خواص زيادة الله شيعة ، فلم يكن يسوءهم ظفر أبي عبد الله ، وأكثر من ذكر كرامات المهديّ ، والإرسال إلى أصحاب زيادة الله إلى أن تمكن ، فبعث برجال من كتامة إلى سلمية من أرض الشام ، فقدموا على عبيد الله ، وأخبروه بما فتح الله عليه ، وكان قد اشتهر هناك ، وطلبه الخليفة المكتفي ، فخرج من سلمية فارا ، ومعه ابنه أبو القاسم نزار ، ومعهما أهلهما ومواليهما ، فأقاما بمصر مستترين ، فوردت على عيسى النوشريّ أمير مصر الكتب من بغداد بصفة عبيد الله وحليته ، وإنه يأخذ عليه الطريق ويقبضه ، فبلغ ذلك عبيد الله ، فخرج والأعوان في طلبه ، ويقال : إنّ النوشريّ ظفر به ، فناشده الله في أمره ، فخلى عنه ووصله ، فسار إلى طرابلس ، وقد سبق خبره إلى زيادة الله ، فسار إلى قسطيلية (١) ، فقدم كتاب زيادة الله بن الأغلب إلى عامل طرابلس بأخذ عبيد الله وقد فاتهم ، فلم يدركوه ، فرحل إلى سلجماسة ، وأقام بها ، وقد أقيمت له المراصد بالطرقات ، فتلطف باليسع بن مدرار صاحب سلجماسة ، وأهدى إليه فكف عنه ، ووافاه كتاب زيادة الله بالقبض على عبيد الله ، فلم يجد بدّا من أن قبض عليه وسجنه ، واشتغل زيادة الله بجمع العساكر لمحاربة أبي عبد الله وتجهيزهم إليه فغلبهم أبو عبد الله ، وغنم سائر ما معهم ، وقتل أكثرهم ، وبلغه ما كان من سجن عبيد الله ، فكتب إليه يبشره ، فوصل إليه الكتاب ، وهو بالسجن مع قصاب دخل به إليه ، وهو يبيع اللحم ، وما زال أبو عبد الله يضايق زيادة الله إلى أن فرّ إلى مصر ، وقام من بعده إبراهيم بن الأغلب ، فلم يتم له أمر ، وملك أبو عبد الله القيروان ، ونزل برقادة (٢) مستهل رجب سنة ست وتسعين ومائتين ، فأمر ونهى ، وبث العمال في الأعمال ، وقتل من يخاف شرّه ، وأمر فنقش على السكة في أحد الوجهين : بلغت حجة الله ، وفي الآخر : تفرّق أعداء الله ونقش على السلاح عدّة في سبيل الله ، ووسم الخيل على أفخاذها : الملك لله ، وأقام على ما كان عليه من لبس الخشن الدون ، وتناول القليل الغليظ من الطعام ، فلما دخل شهر رمضان سار من رقادة في جيوش عظيمة اهتز لها المغرب بأسره يريد سلجماسة ، فحاربه اليسع يوما كاملا إلى الليل ، ثم فرّ في خاصته ، فدخل أبو عبد الله من الغد إلى البلد ، وأخرج عبيد الله وابنه ، ومشى في
__________________
(١) قسطيلة : كورة بإفريقية. معجم البلدان ج ٤ / ٣٤٨.
(٢) رقادة : بلدة إفريقية بينها وبين القيروان أربعة أيام. معجم البلدان ج ٣ / ٥٥.