الدعاة ، ونقيب نقباء الطالبيين ، وقاضي القضاة ، ربما دخلوا على الظاهر في كل عشرين يوما مرّة ، ومن عداهم لا يصل إلى الظاهر البتة ، والثلاثة الأول هم الذين يقضون الأشغال ، ويمضون الأمور بعد الاجتماع عند القائد معضاد ، ومنع الناس من ذبح الأبقار لقلتها ، وعزت الأقوات بمصر ، وقلت البهائم كلها حتى بيع الرأس البقر بخمسين دينارا ، وكثر الخوف في ظواهر البلد ، وكثر اضطراب الناس ، وتحدّث زعماء الدولة بمصادرة التجار ، فاختلف بعضهم على بعض ، وكثر ضجيج طوائف العسكر من الفقر والحاجة ، فلم يجابوا وتحاسد زعماء الدولة ، فقبض على العميد محسن ، وضرب عنقه واشتدّ الغلاء ، وفشت الأمراض ، وكثر الموت في الناس ، وفقد الحيوان ، فلم يقدر على دجاجة ، ولا فروج وعز الماء لقلة الظهر ، فعمّ البلاء من كل جهة ، وعرض الناس أمتعتهم للبيع ، فلم يوجد من يشتريها ، وخرج الحاج فقطع عليهم الطريق بعد رحيلهم من بركة الجب ، وأخذت أموالهم ، وقتل منهم كثير وعاد من بقي ، فلم يحج أحد من أهل مصر ، وتفاقم الأمر في شدّة الغلاء ، فصاح الناس بالظاهر : الجوع الجوع يا أمير المؤمنين؟ لم يصنع بنا هذا أبوك ولا جدّك ، فالله الله في أمرنا ، وطرقت عساكر ابن جراح الفرما ، ففرّ أهلها إلى القاهرة ، وأصبح الناس بمصر على أقبح حال من الأمراض والموتان ، وشدّة الغلاء ، وعدم الأقوات ، وكثر الخوف من الذعار التي تكبس حتى أنه لما عمل سماط عيد النحر بالقصر كبس العبيد على السماط ، وهم يصيحون : الجوع ، ونهبوا سائر ما كان عليه ، ونهبت الأرياف وكثر طمع العبيد ونهبهم ، وجرت أمور من العامّة قبيحة ، واحتاج الظاهر إلى القرض ، فحمل بعض أهل الدولة إليه مالا ، وامتنع آخرون ، واجتمع نحو الألف عبد لتنهب البلد من الجوع ، فنودي بأن من تعرّض له أحد من العبيد ، فليقتله وندب جماعة لحفظ البلد ، واستعدّ الناس ، فكانت نهبات بالساحل ، ووقائع مع العبيد احتاج الناس فيها إلى أن خندقوا عليهم خنادق ، وعملوا الدروب على الأزقّة والشوارع ، وخرج معضاد في عسكر ، فطردهم وقبض على جماعة منهم ضرب أعناقهم ، وأخذ العبيد في طلب الحرحراي وغيره من وجوه الدولة ، فحرسوا أنفسهم ، وامتنعوا في دورهم وانقضت السنة ، والناس في أنواع من البلاء.
وفي سنة ست عشرة أمر الظاهر ، فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكية وغيرهم ، وأمر الدعاة أن يحفظوا الناس كتاب دعائم الإسلام ، ومختصر الوزير ، وجعل لمن حفظ ذلك مالا.
وفي سنة سبع عشرة ثار بمصر رعاف عظيم بالناس ، وكثرت زيادة النيل عن العادة ، وتصدّق الظاهر بمائة ألف دينار من أجل أنه سقط عن فرسه وسلم.
وفي سنة ثمان عشرة وقعت الهدنة مع صاحب الروم ، وخطب للظاهر في بلاده ، وأعاد الجامع بقسطنطينية ، وعمل فيه مؤذنا ، فأعاد الظاهر كنيسة قمامة بالقدس ، وأذن لمن