أشهر وثلاثة أيام مرّت فيها أهوال عظيمة ، وشدائد آلت به إلى أن جلس على نخ ، وفقد القوت فلم يقدر عليه حتى كانت امرأة من الأشراف تتصدّق عليه في كل يوم بقعب فيه فتيت ، فلا يأكل سواه مرّة في كل يوم ، وقد مرّ في غير موضع من هذا الكتاب كثير من أخباره ، فلما مات المستنصر أقام الأفضل بن أمير الجيوش في الخلافة من بعده ابنه : المستعلي بالله أبا القاسم أحمد ، وكان مولده في العشرين من المحرّم سنة سبع وستين وأربعمائة ، فحالف عليه أخوه نزار ، وفرّ إلى الإسكندرية وكان القائم بالأمور كلها الأفضل ، فحاربه حتى ظفر به ، وقتله كما تقدّم في خبر أفتكين عند خزائن القصر.
وفي سنة تسعين وقع بمصر غلاء ووباء وقطعت الخطبة من دمشق للمستعلي ، وخطب بها للعباسيّ ، وخرج الفرنج من قسطنطينية لأخذ سواحل الشام ، وغيرها من أيدي المسلمين فملكوا أنطاكية.
وفي سنة إحدى وتسعين خرج الأفضل بعسكر عظيم من القاهرة ، فأخذ بيت المقدس من الأرمن ، وعاد إلى القاهرة.
وفي سنة اثنتين وتسعين ملك الفرنج الرملة وبيت المقدس ، فخرج الأفضل بالعساكر ، وسار إلى عسقلان ، فسار إليه الفرنج وقاتلوه ، وقتلوا كثيرا من أصحابه ، وغنموا منه شيئا كثيرا وحصروه ، فنجا بنفسه في البحر ، وصار إلى القاهرة.
وفي سنة ثلاث وتسعين عمّ الوباء أكثر البلاد ، فهلك بمصر عالم عظيم.
وفي سنة أربع وتسعين خرج عسكر مصر لقتال الفرنج ، وكانت بينهما حروب كثيرة.
وفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة مات المستعلي بالله لثلاث عشرة بقيت من صفر ، وعمره سبع وعشرون سنة وسبعة وعشرون يوما ، ومدّة خلافته سبع سنين وشهران ، وفي أيامه اختلت الدولة ، وانقطعت الدعوة من أكثر مدن الشام ، فإنها صارت بين الأتراك والفرنج ، وصارت الإسماعيلية فرقتين : فرقة نزارية تطعن في إمامة المستعلي ، وفرقة ترى صحة خلافته ، ولم يكن للمستعلي مع الأفضل أمر ولا نهي ، ولا نفوذ كلمة ، وقيل : إنه سمّ ، وقيل : بل قتل سرّا.
فلما مات أقام الأفضل من بعده في الخلافة ابنه : الآمر بأحكام الله أبا عليّ منصورا ، وعمره خمس سنين وشهر وأيام ، فقتل الأفضل في أيامه ، وأقام في الخلافة تسعا وعشرين سنة وثمانية أشهر ونصفا ، وقد ذكرت ترجمته عند ذكر الجامع الأقمر في ذكر الجوامع من هذا الكتاب ، ولما قتل الآمر بأحكام الله.
أقيم من بعده : الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله ، وكان قد ولد بعسقلان في المحرّم سنة سبع ، وقيل : في سنة ثمان