بمطريتها ، ونفيس أنسها بمقسها (١) ، وغريب غرسها ببلقسها ، وعظيم آسها بمحلق مقياسها ، وكريم تحيتها من قبل اليمن هبوب أنفاسها ، واجتماع أسعدها ، وارتفاع رصدها ، وسواقيها الحنانة في سجعها ، الهتانة بسكبها من دمعها ، وجنة لوقها ، ولجة بولاقها ، وبركة فيلها ، من بركة نيلها ، وجزيرة ذهبها ، وقلعة الجزيرة بذهبها ، من عجبها حكت فلكها في بحرها ، وأحكمت مملكتها في برّها ، وعظم جللها بقلعة جبلها ، واتلاء أعلامها ، ببناء أهرامها ، وإذا نظرت إلى سعود صعودها ، إلى سعيد صعيدها ، واغتباطها بانحطاطها ، إلى صوب سكندريتها ودمياطها ، ألهتك عن حسن الثريا ومناطها ، ولا تنس الجواري المنشآت في البحر كالأعلام ، التي تسبق عند طياب الرياح مفوّقات السهام ، وإعجابها بغربانها البحرية ، وحراقاتها الحربية ، وشوانيها وحول مبانيها ، وجلال شكلها وجمال معانيها ، تبدو موشاة بالنضار الأحمر ، منقشة باللون الأفخر ، فهي كالأرقم (٢) المنمر ، أو كمتلوّن الثمر ، أو الطاوس الذكر أو الناوس لبني الأصفر ، معمرة بيأس الحديد والأحجار ، محمولة على سيح الماء التيار ، مشحونة بالرجال ، منصورة عند القتال ، مصونة بالمجنّ والنبال تبرز مذكرة بالآية النوحية ، وتضمن إحراز الهمة العلية الفتحية ، حصون أمنع من أعز قلاع ، تطير إذا فتح لها جناح القلاع ، فتسبق وفد الريح عند الإسراع ، وتفوق سرعة السحاب عند الاتساع ، فهن مع العقبان في النيق (٣) حوّم ، وهن مع البنيان في البحر عوّم ، لو أقسم من رآها ، ولو قال مشاهد معناها ، إن الله نفخ فيها الروح فأحياها ، لبرّ في يمينه التي أقسم وتلاها ، وكم من مركب لحسنه معجب ، وكم من سفين قويّ أمين ، وخضاري جليل ، وعشاري طويل ، ومسماري طويل جميل وفستراوي ، عكاوي ، ولكة ودرمونة ، ومعدّية مكينة ، وسلور دقيق ، وشختور رشيق ، وقرقور رقيق ، وزورق ذي زواريق ، وطريدة بخيل الطراد معمورة ، دهماء بحمل الجياد والأجناد مشهورة ، ومخلوف في الآفاق بالمعروف معروف ، وما أحلى بنان رطبها المخضب ، ورشيق قامة قصبها المقصب ، وبهجة فوز ما بطلح موزها ، وخضر أعلام أوراقها ، وصفر كرام إعلاقها ، فلا البلاغة تبلغ من إحصاء فضلها مراما ، ولا الفصاحة تصوغ لوصف تشبيهها كلاما ، فنسأل الله تعالى أن يكنفها بركنه الذي لا يرام ، ويحرسها بعينه التي لا تنام بمنه وكرمه.
وقال الرئيس شهاب الدين أحمد بن يحيي بن فضل الله العمري كاتب السرّ :
لمصر فضل باهر |
|
بعيشها الرغد النضر |
في كل سفح يلتقي |
|
ماء الحياة والخضر |
__________________
(١) المقس : والمكس والمقسم وأم دنين كلها أسماء مترادفة لقرية كانت واقعة على شاطىء النيل في المكان الذي يمر فيه شارع عماد الدين وميدان محطة مصر. (محمد. رمزي).
(٢) الأرقم : ذكر الحيات وهو أخبث أنواعها وأطلبها للناس.
(٣) النيق : أرفع مكان في الجبل.