الرأي لنفسك ، نحن قد أنفذناك مع قائدنا جوهر ، فاكتب إليه فما وصل منك إلينا على يده قرأناه ، ولا تتجاوزه بعد ، فلسنا نفعل لك ذلك على الوجه الذي أردته ، وإن كنت أهله عندنا ، ولكنا لا نستفسد جوهرا مع طاعته لنا ، فزاد غضب جعفر بن فلاح ، وانكشف ذلك لجوهر ، فلم يبعث ابن فلاح لجوهر يسأله نجدة خوفا أن لا ينجده بعسكر ، وأقام مكانه لا يكاتب جوهرا بشيء من أمره إلى أن قدم عليه الحسن بن أحمد القرمطيّ ، وكان من أمره ما قد ذكر في موضعه.
ولما مات المعز واستخلف من بعده ابنه العزيز ، وورد إلى دمشق : هفتكين الشرابيّ من بغداد ، ندب العزيز بالله جوهرا القائد إلى الشام ، فخرج إليها بخزائن السلاح ، والأموال والعساكر العظيمة ، فنزل على دمشق لثمان بقين من ذي القعدة سنة خمس وستين وثلثمائة ، فأقام عليها ، وهو يحارب أهلها إلى أن قدم الحسن بن أحمد القرمطيّ من الإحساء إلى الشام ، فرحل جوهر في ثالث جمادى الأولى سنة ست وستين ، فنزل على الرملة والقرمطيّ في إثره فهلك ، وقام من بعده جعفر القرمطيّ ، فحارب جوهرا ، واشتدّ الأمر على جوهر ، وسار إلى عسقلان ، وحصره هفتكين بها حتى بلغ من الجهد مبلغا عظيما ، فصالح هفتكين ، وخرج من عسقلان إلى مصر بعد أن أقام بها ، وبظاهر الرملة نحوا من سبعة عشر شهرا ، فقدم على العزيز ، وهو يريد الخروج إلى الشام.
فلما ظفر العزيز بهفتكين ، واصطنعه في سنة ثمانين وثلثمائة ، واصطنع منجوتكين التركيّ أيضا ، أخرجه راكبا من القصر وحده في سنة إحدى وثمانين ، والقائد جوهر وابن عمار ، ومن دونهما من أهل الدولة مشاة في ركابه ، وكانت يد جوهر في يد ابن عمار ، فزفر ابن عمار زفرة كاد أن ينشق لها ، وقال : لا حول ولا قوّ إلا بالله ، فنزع جوهر يده منه ، وقال : قد كنت عندي يا أبا محمد أثبت من هذا ، فظهر منك إنكار في هذا المقام ، لأحدّثنك حديثا عسى يسليك عما أنت فيه ، والله ما وقف على هذا الحديث أحد غيري.
لما خرجت إلى مصر وأنفذت إلى مولانا المعز من أسرته ، ثم حصل في يدي آخرون اعتقلتهم ، وهم نيف على ثلثمائة أسير من مذكوريهم والمعروفين فيهم ، فلما ورد مولانا المعز إلى مصر أعلمته بهم ، فقال : أعرضهم عليّ ، واذكر في كل واحد حاله ، ففعلت ، وكان في يده كتاب مجلد يقرأ فيه ، فجعلت آخذ الرجل من يد الصقالبة ، وأقدّمه إليه ، وأقول : هذا فلان ، ومن حاله وحاله ، فيرفع رأسه ، وينظر إليه ، ويقول : يجوز ويعود إلى قراءة ما في الكتاب حتى أحضرت له الجماعة ، وكان آخرهم غلاما تركيا ، فنظر إليه وتأمّله ، ولما ولي أتبعه بصره ، فلما لم يبق أحد قبلت الأرض ، وقلت : يا مولانا رأيتك فعلت لما رأيت هذا التركيّ ما لم تفعله مع من تقدّمه ، فقال : يا جوهر يكون عندك مكتوما حتى ترى أنه يكون لبعض ولدنا غلام من هذا الجنس تنفق له فتوحات عظيمة في بلاد كثيرة ، ويرزقه