فلما كان في سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، بنى أمير الجيوش بدر الجماليّ : وزير الخليفة المستنصر بالله باب زويلة الكبير الذي هو باق إلى الآن ، وعلى أبراجه ، ولم يعمل له باشورة ، كما هي عادة أبواب الحصون من أن يكون في كل باب عطف ، حتى لا تهجم عليه العساكر في وقت الحصار ، ويتعذر سوق الخيل ، ودخولها جملة لكنه عمل في بابه زلاقة كبيرة من حجارة صوّان عظيمة بحيث إذا هجم عسكر على القاهرة لا تثبت قوائم الخيل على الصوّان ، فلم تزل هذه الزلاقة باقية إلى أيام السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، فاتفق مروره من هنا لك ، فاختلّ فرسه ، وزلق به ، وأحسبه سقط عنه ، فأمر بنقضها ، فنقضت ، وبقي منها شيء يسير ظاهر ، فلما ابتنى الأمير جمال الدين يوسف الإستادار المسجد المقابل لباب زويلة ، وجعله باسم الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق ، ظهر عند حفرة الصهريج الذي به بعض هذه الزلاقة ، وأخرج منها حجارة من صوّان لا تعمل فيها العدّة الماضية ، وأشكالها في غاية من الكبر لا يستطيع جرّها إلّا أربعة أرؤس بقر ، فأخذ الأمير جمال الدين منها شيئا ، وإلى الآن حجر منها ملقى تجاه قبو الخرنشف من القاهرة.
ويذكر أن ثلاثة إخوة قدموا من الرها بنائين بنوا : باب زويلة ، وباب النصر ، وباب الفتوح ، وكل واحد بنى بابا ، وأن باب زويلة هذا بني في سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، وأن باب الفتوح بني في سنة ثمانين وأربعمائة.
وقد ذكر ابن عبد الظاهر في كتاب خطط القاهرة : أن باب زويلة هذا بناه العزيز بالله نزار بن المعز ، وتممه أمير الجيوش ، وأنشد لعليّ بن محمد النيلي :
يا صاح لو أبصرت باب زويلة |
|
لعلمت قدر محله بنيانا |
باب تأزر بالمجرّة وارتدى ال |
|
شعرى ولاث برأسه كيوانا |
لو أنّ فرعونا بناه لم يرد |
|
صرحا ولا أوصى به هامانا |
ا ه. وسمعت غير واحد يذكر أنّ فردتيه يدوران في سكرجتين من زجاج.
وذكر جامع سيرة الناصر محمد بن قلاوون : أن في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة رتب أيدكين والي القاهرة في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون على باب زويلة خليلية تضرب كل ليلة بعد العصر.
وقد أخبرني من طاف البلاد ، ورأى مدن الشرق ، أنه لم يشاهد في مدينة من المدائن عظم باب زويلة ، ولا يرى مثل بدنتيه اللتين عن جانبيه ، ومن تأمّل الأسطر التي قد كتبت على أعلاه من خارجه ، فإنه يجد فيها اسم أمير الجيوش ، والخليفة المستنصر ، وتاريخ بنائه ، وقد كانت البدنتان أكبر مما هما الآن بكثير ، هدم أعلاهما الملك المؤيد شيخ لما أنشأ الجامع داخل باب زويلة ، وعمر على البدنتين منارتين ، ولذلك خبر تجده