أذرع من الخشكنان ، والفانيذ ، والبسندود المقدّم ذكر عمله بدار الفطرة ، فإذا صلى الفجر في أوّل الوقت حضر إليه الوزير ، وهو جالس في الشباك ، ومكن الناس من ذلك الممدود ، فأخذ وحمل ونهب ، فيأخذه من يأكله في يومه ، ومن يدّخره لغده ، ومن لا حاجة له به ، فيبيعه ويتسلط عليه أيضا حواشي القصر المقيمون هناك ، فإذا فرغ من ذلك ، وقد بزغت الشمس ركب من باب الملك بالإيوان ، وخرج من باب العيد إلى المصلى ، والوزير معه كما وصفنا في هيئة ركوب هذا العيد في فصله مخليا لقاعة الذهب لسماط الطعام ، فينصب له سرير الملك قدّام باب المجلس في الرواق ، وينصب فيه مائدة من فضة ، ويقال لها : المدوّرة ، وعليها أواني الفضيات والذهبيات ، والصيني الحاوية للأطعمة الخاص الفائحة الطيب الشهية من غير خضراوات ، سوى الدجاج الفائق المسمن المعمول بالأمزجة الطيبة النافعة ، ثم ينصب السماط أمام السرير إلى باب المجلس قبالته ، ويعرف بالمحول طول القاعة ، وهو اليوم الباب الذي يدخل منه إليها من باب البحر الذي هو باب القصر اليوم ، والسماط خشب مدهون شبه الدكك اللاطية ، فيصير من جمعه للأواني سماطا عاليا في ذلك الطول ، وبعرض عشرة أذرع ، فيفرش فوق ذلك الأزهار ، ويرص الخبز على حافتيه سواميذ كل واحد ثلاثة أرطال من نقيّ الدقيق ، ويدهن وجهها عند خبزها بالماء ، فيحصل لها بريق ، ويحسن منظرها ، ويعمر داخل ذلك السماط على طوله بأحد وعشرين طبقا في كل طبق أحد وعشرون ثنيا سمينا مشويا ، وفي كل من الدجاج والفراريج وفراخ الحمام ثلثمائة وخمسون طائرا ، فيبقى طائلا مستطيلا ، فيكون كقامة الرجل الطويل ، ويسوّر بشرائح الحلواء اليابسة ، ويزين بألوانها المصبغة ، ثم يسدّ خلل تلك الأطباق بالصحون الخزفية التي في كل واحد منها سبع دجاجات ، وهي مترعة بالألوان الفائقة من الحلواء المائعة والطباهجة (١) المشققة ، والطيب غالب على ذلك كله ، فلا يبعد أن تناهز عدّة الصحون المذكورة خمسمائة صحن ، ويرتب ذلك أحسن ترتيب من نصف الليل بالقاعة إلى حين عود الخليفة من المصلى ، والوزير معه ، فإذا دخل القاعة ، وقف الوزير على باب دخول الخليفة ، لينزع عنه الثياب العيدية التي في عمامتها السمة ، ويلبس سواها من خزائن الكسوات الخاصة التي قدّمنا ذكرها ، وقد عمل بدار الفطرة ، قصران من حلى في كلواحد سبعة عشر قنطارا ، وحملا ، فمنهما واحد يمضي به من طريق قصر الشوك إلى باب الذهب ، والآخر يشق به بين القصرين يحملهما العتالون ، فينصبان أوّل السماط وآخره ، وهما شكل مليح مدهونان بأوراق الذهب ، وفيهما شخوص ناتئة كأنها مسبوكة في قوالب لوحا لوحا ، فإذا عبر الخليفة راكبا ، ونزل على السرير الذي عليه المدوّرة الفضة ، وجلس قام على رأسه أربعة من كبار الأستاذين المحنكين ، وأربعة من خواص الفرّاشين ، ثم يستدعي الوزير ، فيطلع إليه ويجلس عن يمينه ، ويستدعي الأمراء المطوّقين ، ومن يليهم من الأمراء دونهم ،
__________________
(١) الطباهجة : اللحم المشرح المشوي وقيل : هو الكباب واللفظ معرب (تباهة). معجم متن اللغة.