الريح ، وبابه من باب البحر ، ويعرف بقصر البحر ، وكان في أوقات الاجتماع يصلي الداعي بالناس في رواقه.
وقال المسبحيّ : وفي ربيع الأوّل يعني من سنة خمس وثمانين وثلثمائة ، جلس القاضي محمد بن النعمان على كرسيّ بالقصر لقراءة علوم آل البيت على الرسم المعتاد المتقدّم له ولأخيه بمصر ، ولأبيه بالمغرب ، فمات في الزحمة أحد عشر رجلا ، فكفنهم العزيز بالله ، وقال ابن الطوير : وأما داعي الدعاة فإنه يلي قاضي القضاة في الرتبة ، ويتزيا بزيه في اللباس وغيره ، ووصفه أنه يكون عالما بجميع مذاهب أهل البيت يقرأ عليه ، ويأخذ العهد على من ينتقل من مذهبه إلى مذهبهم ، وبين يديه من نقباء المعلمين اثنا عشر نقيبا ، وله نوّاب كنوّاب الحكم في سائر البلاد ، ويحضر إليه فقهاء الدولة ، ولهم مكان يقال له : دار العلم (١) ، ولجماعة منهم على التصدير بها أرزاق واسعة ، وكان الفقهاء منهم يتفقون على دفتر يقال له : مجلس الحكمة في كل يوم اثنين وخميس ، ويحضر مبيضا إلى داعي الدعاة فينفذه إليهم ، ويأخذه منهم ، ويدخل به إلى الخليفة في هذين اليومين المذكورين ، فيتلوه عليه إن أمكن ، ويأخذ علامته بظاهره ، ويجلس بالقصر لتلاوته على المؤمنين في مكانين للرجال على كرسيّ الدعوة بالإيوان الكبير ، وللنساء بمجلس الداعي ، وكان من أعظم المباني وأوسعها.
فإذا فرغ من تلاوته على المؤمنين والمؤمنات حضروا إليه ، لتقبيل يديه ، فيمسح على رؤوسهم بمكان العلامة ، أعني خط الخليفة ، وله أخذ النجوى من المؤمنين بالقاهرة ومصر وأعمالهما ، لا سيما الصعيد ، ومبلغها ثلاثة دراهم وثلث ، فيجتمع من ذلك شيء كثير يحمله إلى الخليفة بيده بينه ، وبينه ، وأمانته في ذلك مع الله تعالى ، فيفرض له الخليفة منه ما يعينه لنفسه وللنقباء ، وفي الإسماعيلية المموّلين من يحمل ثلاثة وثلاثين دينارا وثلثي دينار على حكم النجوى ، وصحبة ذلك رقعة مكتوبة باسمه ، فيتميز في المحول فيخرج له عليها خط الخليفة بارك الله فيك ، وفي مالك وولدك ودينك ، فيدّخر ذلك ، ويتفاخر به ، وكانت هذه الخدمة متعلقة بقوم يقال لهم : بنو عبد القويّ أبا عن جدّ آخرهم الجليس ، وكان الأفضل بن أمير الجيوش نفاهم إلى المغرب ، فولد الجليس بالمغرب ، وربي به ، وكان يميل إلى مذهب أهل السنة ، وولي القضاء مع الدعوة ، وأدركه أسد الدين شيركوه ، وأكرمه وجعله واسطة عند الخليفة العاضد ، وكان قد حجر على العاضد ولولاه لم يبق في الخزائن شيء لكرمه ، وكأنه علم أنه آخر الخلفاء.
__________________
(١) دار العلم : كان يجلس فيها داعي الدعاة ويجتمع إليه من يتكلم في العلوم المتعلقة بمذهبهم وكان مقرها خلف خان مسرور. صبح الأعشى ٣ / ٣٦٢.