كاتبان آخران لتنزيل ذلك في الدفتر ، والدفتر عبارة عن جرائد مسطوحات ينزل ذلك فيها في أوقاته من غير فوات.
قال : وإذا انقضى عيد النحر من كل سنة تقدّم بعمل الاستيمار لتلك السنة تمام ذي الحجة منها ، فيجتمع كتاب ديوان الرواتب عند متوليه ، وتحمل العروض إليه ، فإذا تحرّرت نسخة التحرير : بيّضت بعد أن يستدعي من المجلس أوراق بالإدرار الذي يقبض بغير حرج ، وفي الإدرار ما هو مستقرّ بالوجهين ، فيضاف هذا المبلغ بجهاته إلى المبالغ المعلومة بديوان الرواتب وجهاتها ، حتى لا يفوت من الاستيمار شيء من كل ما تقرّر شرحه ، ويعلم مقداره عينا وورقا ، وغلة وغير ذلك ، فيحرّر ذلك كله بأسماء المرتزقين ، وأوّلهم : الوزير ، ومن يلوذ به ، وعلى ذلك إلى أن ينتهي الجميع إلى أرباب الضرّ ، فإذا تكمل استدعى له من خزانة الفرش وطاء حرير لشدّه ، وشرابة لمسكه ، إمّا خضراء أو حمراء ، ويعمل له صدر من الكلام اللائق بما بعده ، وهذا كله خارج عن الكسوات المطلقة لأربابها ، والرسوم المعدّة في كل سنة ، وما يحمل من دار الفطرة من الأصناف برسم عيد الفطر ، وعما يشهد به دفتر المجلس من العطايا الخافية والرسوم ، وقد انعقد مرّة ، وأنا أتولى ديوان الرواتب على ما مبلغه نيف ومائة ألف دينار أو قريب من مائتي ألف دينار ، ومن القمح والشعير على عشرة آلاف أردب ، فإذا فرغ من مسكه في الشرابة حمل إلى صاحب ديوان النظر إن كان ، وإلّا فلصاحب ديوان المجلس ليعرضه على الخليفة ، إن كان يعني مستبدّا أو الوزير لاستقبال المحرّم من السنة الآتية في أوقات معلومة ، فيتأخر في العرض ، وربما يستوعب المحرّم ليحيط العلم بما فيه ، فإذا كمل العرض أخرج إلى الديوان ، وقد شطب على بعضه ، وكانوا يتحرّجون من الإقامات على مال الدولة التي لا أصل لها ، وعلى غير متوفر ، ويتنجزها أربابها بالمستقبلات على الخلفاء والوزراء ، وينقص قوم للاستكثار ، ويزاد قوم للاستحقاق ، ويصرف قوم ، ويستخدم آخرون على ما تقتضيه الآراء في ذلك الوقت ، ثم يسلم لرب هذا الديوان فيحمل الأمر على ما شطب عليه ، وعلامة الإطلاق خروجه من العرض.
وقيل : إنه عمل مرّة في أيام المستنصر بالله ، فلما استؤذن على عرضه ، قال : هل وقع أحد بما فيه غيرنا؟ قيل له : معاذ الله يا مولانا ، ما تمّ إنعام إلّا لك ، ولا رزق إلّا من الله على يديك ، فقال : ما ينقص به أمرنا ، ولا خطنا ، وما صرفناه في دولتنا بإذننا ، وتقدّم إلى وليّ الدولة بن جبران كاتب الإنشاء بإمضائه للناس من غير عرض ، وحمل الأمر على حكمه ، ووقع عن الخليفة بظاهره : الفقر مرّ المذاق ، والحاجة تذل الأعناق ، وحراسة النعم بإدرار الأرزاق ، فليجروا على رسومهم في الإطلاق ما عندكم ينفد ، وما عند الله باق.
ووقع في خلافة الحافظ لدين الله على استيمار الرواتب ما نصه : أمير المؤمنين لا يستكثر في ذات الله كثيرا لإعطاء ، ولا يكدّره بالتأخير له ، والتسويف ، والإبطاء ، ولما انتهى