جعفر (١) المغربيّ ، فسألت عنها ، فعرفت أنّ الوزير أخذها من خزائن القصر هو ، والخطير ابن الموفق في الدين بإيجاب وجبت لهما عما يستحقانه ، وغلمانهما من ديوان الجبليين ، وإن حصة الوزير أبي الفرج منها قوّمت عليه من جاري مماليكه ، وغلمانه بخمسة آلاف دينار ، وذكر لي من له خبرة بالكتب أنها تبلغ أكثر من مائة ألف دينار ، ونهب جميعها من داره يوم انهزم ناصر الدولة بن حمدان من مصر في صفر من السنة المذكورة مع غيرها ، مما نهب من دور من سار معه من الوزير أبي الفرج ، وابن أبي كدينة ، وغيرهما هذا سوى ما كان في خزائن دار العلم بالقاهرة ، وسوى ما صار إلى عماد الدولة أبي الفضل بن المحترق بالإسكندرية ، ثم انتقل بعد مقتله إلى المغرب ، وسوى ما ظفرت به لواتة محمولا مع ما صار إليه بالابتياع ، والغصب في بحر النيل إلى الاسكندرية في سنة إحدى وستين وأربعمائة ، ومما بعدها من الكتب الجليلة المقدار ، المعدومة المثل في سائر الأمصار صحة ، وحسن خط ، وتجليد ، وغرابة التي أخذ جلودها عبيدهم ، وإماؤهم برسم عمل ما يلبسونه في أرجلهم ، وأحرق ورقها تأوّلا منهم أنها خرجت من قصر السلطان أعز الله أنصاره ، وإنّ فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم سوى ما غرق ، وتلف ، وحمل إلى سائر الأقطار ، وبقي منها ما لم يحرق ، وسفت عليه الرياح التراب ، فصار تلالا باقية إلى اليوم في نواحي آثار تعرف : بتلال الكتب.
وقال ابن الطوير : خزانة الكتب كانت في أحد مجالس المارستان اليوم يعني : المارستان العتيق ، فيجيء الخليفة راكبا ، ويترجل على الدكة المنصوبة ، ويجلس عليها ، ويحضر إليه من يتولاها ، وكان في ذلك الوقت الجليس بن عبد القويّ ، فيحضر إليه المصاحف بالخطوط المنسوبة ، وغير ذلك مما يقترحه من الكتب ، فإن عنّ له أخذ شيء منها أخذه ، ثم يعيده ، وتحتوي هذه الخزانة على عدّة رفوف في دور ذلك المجلس العظيم ، والرفوف مقطعة بحواجز ، وعلى كل حاجز باب مقفل بمفصلات ، وقفل وفيها من أصناف الكتب ما يزيد على مائتي ألف كتاب من المجلدات ، ويسير من المجرّدات ، فمنها الفقه على سائر المذاهب ، والنحو ، واللغة ، وكتب الحديث والتواريخ ، وسير الملوك ، والنجامة ، والروحانيات ، والكيمياء من كل صنف النسخ ، ومنها النواقص التي ما تممت كل ذلك بورقة مترجمة ملصقة على كل باب خزانة ، وما فيها من المصاحف الكريمة في مكان فوقها ، وفيها من الدروج بخط ابن مقلة ، ونظائره كابن البوّاب وغيره ، وتولى بيعها ابن صورة في أيام الملك الناصر صلاح الدين ، فإذا أراد الخليفة الانفصال مشى فيها مشية لنظرها ، وفيها ناسخان ، وفرّاشان صاحب المرتبة. وآخر ، فيعطى الشاهد عشرين دينارا ،
__________________
(١) وزير وكاتب استوزره المستنصر بالله الفاطمي سنة ٤٥٠ ه ولقبه (الوزير الأجل الكامل الأوحد صفي أمير المؤمنين وخالصته) ثم عزل من الوزارة وولي ديوان الإنشاء إلى أن توفي سنة ٤٧٨ ه. الأعلام ج ٦ / ٧٢.