وأحضر خريطة (١) فيها نحو ويبة جوهر ، وأحضر الخبراء من الجوهريين ، وتقدّم إليهم بقيمتها ، فذكروا أن لا قيمة لها ، ولا يشتري مثلها إلّا الملوك ، فقوّمت : بعشرين ألف دينار ، فدخل جوهر الكاتب المعروف : بالمختار عز الملك إلى المستنصر ، وأعلمه أن هذا الجوهر اشتراه جدّه : بسبعمائة ألف دينار واسترخصه ، فتقدّم بإنفاقه في الأتراك ، فقبض كل واحد منهم جزء بقيمة الوقت ، وفرّق عليهم.
قال : فأمّا ما أخذ مما في خزائن البلور ، والمحكم والمينا المجرى بالذهب والمجرود ، والبغدادي والخيار ، والمدهون ، والخلنج ، والعينيّ ، والدهيميّ ، والآمديّ ، وخزائن الفرش والبسط ، والستور ، والتعاليق فلا يحصى كثرة.
وحدّثني من أثق به من المستخدمين في بيت المال : أنه أخرج يوما في جملة ما أخرج من خزائن القصر عدّة صناديق ، وإنّ واحدا منها فتح ، فوجد فيه على مثال كيزان الفقاع من صافي البلور المنقوش والمجرود شيء كثير ، وإنّ جميعها مملوء من ذلك وغيره ، وحدثني من أثق به أنه رأى : قدح بلور بيع مجرودا بمائتين وعشرين دينارا ، ورأى خردادي بلور بيع : بثلاثمائة وستين دينارا ، وكوز بلور بيع : بمائتين وعشرة دنانير ، ورأى صحون مينا كثيرة تباع من : المائة دينار إلى ما دونها.
وحدّثني من أثق بقوله أنه رأى بطرابلس قطعتين من البلور الساذج ، الغاية في النقاء ، وحسن الصنعة إحداهما خردادي ، والأخرى باطية مكتوب على جانب كل واحدة منهما : اسم العزيز بالله ، تسع الباطية سبعة أرطال بالمصري ماء ، والخردادي تسعة ، وإنه عرضهما على جلال الملك أبي الحسن عليّ بن عمار ، فدفع فيهما : ثمانمائة دينار ، فامتنع من بيعهما ، وكان اشتراهما من مصر من جملة ما أخرج من الخزائن ، وإن الذي تولى بيعه : أبو سعيد النهاندي من مخرج القصر دون غيره من الأمناء في مديدة يسيرة ، ثمانية عشر ألف قطعة من بلور ، ويحكم منها ما يساوي : الألف دينار إلى عشرة دنانير.
وأخرج من صواني الذهب المجراة بالمينا ، وغير المجراة المنقوشة بسائر أنواع النقوش المملوء جميعها من سائر أنواعه ، وألوانه ، وأجناسه شيء كثير جدّا ، ووجد فيما وجد غلف خيار مبطنة بالحرير محلاة بالذهب مختلفة الأشكال خالية مما فيها من الأواني عدّتها : سبعة عشر ألف غلاف ؛ كان في كل قطعة إما بلور مجرود أو محكم أو ما يشاكله ، ووجد أكثر من مائة كأس باد زهر ، ونصب ، وأشباهها ، على أكثرها اسم هارون الرشيد وغيره.
ووجد في خزائن القصر عدّة صناديق كثيرة مملوءة سكاكين مذهبة ، ومفضضة بنصب
__________________
(١) الخريطة : وعاء من أدم وغيره يشرج على ما فيه.