قال ابن الطوير (١) : وخلع عليه ، يعني على أمير الجيوش بدر الجماليّ بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق ، وزيد له الحنك ، مع الذؤابة المرخاة ، والطيلسان المقوّر زي قاضي القضاة ، وهذه الخلع تشابه خلع الوزراء ، وأرباب الأقلام في زمننا هذا ، غير أنه لقصور أحوال الدولة جعل عوض العقد الجوهر الذي كان للوزير ، ويفك بخمسة آلاف مثقال ذهبا قلادة من عنبر مغشوش يقال لها : العنبرية ، ويتميز بها الوزير خاصة ، ويلبس أيضا : الطيلسان المقوّر ، ويسمى اليوم : بالطرحة ، ويشاركه فيها جميع أرباب العمائم ، إذا خلع عليهم ، فإنه تكون خلعهم بالطرحة ، وترك أيضا اليوم من خلعة الوزير ، وغيره الذؤابة المرخاة ، وهي العذبة وصارت الآن من زي القضاة فقط ، وهجرها الوزوراء ، ويشبه ، والله أعلم ، أن يكون وضعها في الدولة الفاطمية للوزير في خلعه إشارة إلى أنه كبير أرباب السيوف ، والأقلام ، فإنه كان مع ذلك يتقلد بالسيف وكذلك ترك في الدولة التركية من خلع الوزارة تقليد السيف لأنه لا حكم له على أرباب السيوف ، ولما قام الأفضل بن أمير الجيوش خلع أيضا عليه بالسيف والطيلسان المقوّر ، وبعد الأفضل لم يخلع على أحد من الوزراء كذلك إلى أن قدم طلائع بن رزيك ، ولقب بالملك الصالح عندما خلع عليه للوزارة ، وجعل في خلعته السيف والطيلسان المقوّر.
قال ابن المأمون : وفي يوم الجمعة ثانية ، يعني ثاني ذي الحجة يعني سنة خمس عشرة وخمسمائة : خلع على القائد ابن فاتك البطائحي من الملابس الخاص الشريفة في فردكم مجلس الكعبة ، وطوّق بطوق ذهب مرصع وسيف ذهب كذلك ، وسلم على الخليفة الآمر بأحكام الله ، وأمر الخليفة الأستاذين المحنكين بالخروج بين يديه وأن يركب من المكان الذي كان الأفضل بن أمير الجيوش يركب منه ، ومشى في ركابه القوّاد على دعاة من تقدّمه وخرج بتشريف الوزارة يعني : من باب الذهب ، ودخل من باب العيد راكبا ، وجرى الحكم فيه على ما تقدّم للأفضل ووصل إلى داره ، فضاعف الرسوم ، وأطلق الهبات.
ولما كان يوم الاثنين خامس ذي الحجة اجتمع أمراء الدولة لتقبيل الأرض بين يدي الخليفة الآمر على العادة التي قرّرها مستجدّة ، واستدعى الشيخ أبا الحسن بن أبي أسامة ، فلما حضر أمر بإحضار السجل للأجل الوزير المأمون من يده ، فقبله وسلمه لزمام القصر ، وأمر الخليفة الوزير المأمون بالجلوس عن يمينه ، وقرىء السجل على باب المجلس ، وهو أوّل سجل قرىء في هذا المكان ، وكانت سجلات الوزراء قبل ذلك تقرأ بالإيوان ، ورسم للشيخ أبي الحسن أن ينقل النسبة للأمراء ، والمحنكين من الأمراء إلى المأموني للناس أجمع ، ولم يكن أحد منهم ينتسب للأفضل ، ولا لأمير الجيوش ، وقدّمت الدواة للمأمون ، فعلم في مجلس الخليفة ، وتقدّمت الأمراء ، والأجناد فقبلوا الأرض ، وشكروا على هذا
__________________
(١) في صبح الأعشى ج ١ / ١٣٣ : لم نعثر على ترجمة لابن الطوير فيما بين أيدينا من مراجع.