أبا محمد جعفر بن أمير الجيوش بدر بين يدي الخليفة مكانه ، وقصد استنفاذ الساحل من يد الفرنج ، فوصل إلى عسقلان ، وزحف عليها بذلك العسكر ، فخذل من جهة عسكره ، وهي نوبة النصة ، وعلم أنّ السبب في ذلك من جنده ، ولما غلب حرّق جميع ما كان معه من الآلات ، وكان عند الفرنج شاعر منتجع إليهم فقال : يخاطب صنجل ملك الفرنج :
نصرت بسيفك دين المسيح |
|
فلله درك من صنجل |
وما سمع الناس فيما رووه |
|
بأقبح من كسرة الأفضل |
فتوصل الأفضل إلى ذبح هذا الشاعر ، ولم ينتفع بعد هذه النوبة أحد من الأجناد بالأفضل ، وحظر عليهم النعوت ولم يسمع لأحد منهم كلمة ، وأنشأ سبع حجر ، واختار من أولاد الأجناد ثلاثة آلاف راجل ، وقسمهم في الحجر ، وجعل لكل مائة زمانا ، ونقيبا ، وزم الكل بأمير يقال له : الموفق ، وأطلق لكل منهم ما يحتاج إليه من خيل وسلاح ، وغيره.
وعني بهؤلاء الأجناد ، فكان إذا دهمه أمر مهمّ جهزهم إليه مع الزمام الأكبر.
وقال ابن المأمون : وكان من جملة الحجرية الذين يحضرون السماط رجل يعرف بابن زحل ، وكان يأكل خروفا كبيرا مشويا ، ويستوفيه إلى آخره ، ثم يقدّم له صحن كبير من القصور المعمولة بالسكرة ، وجميع صنوف الحيوانات على اختلاف أجناسها ، ما لم يعمل قط مثله من الأطعمة ، فيأكل معظمه ، وكان يقعد في طرف المدوّرة ، حتى يكون بالقرب من نظر الخليفة ، لا لميزته ، وكان من الأجناد وأسر في أيام الأفضل ، وقيده الفرنجيّ الذي أسره ، وعذبه وطالت مدّته في الأسر ، وكان فقيرا ، فاتفق أن ذكر للفرنجيّ كثرة أكله ، فأراد أن يمتحنه ، فقال له : أحضر لي عجلا أكبر عجل عندكم آكله إلى آخره ، فضحك منه الفرنجيّ ، ونقص عقله وأتاه بعجل كبير ، ويقال : بخنزير ، فقال له : اذبحه واشوه وائتني معه بجرّة خل ، ثم قال : إذا أكلته ما يكون لي عندك ، فغلط الفرنجيّ ، وقال له : أطلقك حتى تمضي إلى أهلك ، فاستحلفه على ذلك ، وغلظ عليه اليمين ، وأحضر الفرنجيّ عدّة من أصحابه ليشاهدوا فعله ، فلما استوفى العجل جميعه صلّب كل من الحاضرين على وجهه وتعجب من فعله ، وأطلقه ، فقال : أخاف من أن يعتقد أنني هربت فأرد إليكم ، فأحضر الفرنجيّ من العربان من سلمه إليهم ، ولم يشعر به إلّا بباب عسقلان ، فطلع منها ، وأعفي بعد ذلك من السفر ، وبقي برسم الأسمطة.
وقال ابن عبد الظاهر : الحجر قريب من باب النصر ، وهو مكان كبير في صف دار الوزارة إلى جانبه باب القوس الذي يسمى : باب النصر قديما على يمنة الخارج من القاهرة ، كان تربى فيه جماعة من الشباب يسمون : صبيان الحجر ، يكونون في جهات متعدّدة ، وهم يناهزون خمسة آلاف نسمة ، ولكل حجرة اسم تعرف به ، وهي المنصورة ، والفتح والجديدة ، وغير ذلك مفردة لهم ، وعندهم سلاحهم ، فإذا جرّوا خرج كل منهم لوقته لا