الديلم والمستخدمون في الركاب بالمناديل يتسلمونها من الشدّادين ويدورون بها حول الإيوان ، ودواب المظلة متميزة عن غيرها يتسلمها الأستاذون ، والمستخدمون في الركاب ويعلون بها إلى قريب من الشباك الذي فيه الخليفة ، وكلما عرض دواب اصطبل قبل الأرض متوليه. وانصرف. وتقدّم متولي غيره على حكمه إلى أن يعرض جميع ما أحضروه ، وهو ما يزيد على ألف فارس خارجا عن البغال وما تأخر من العشاريات والحجور والمهارة ، ولما عرضت الدواب أبطلت الرهجية ، وعاد استفتاح المقرئين ، وكانوا محسنين فيما ينتزعونه من القرآن الكريم ، مما يوافق الحال ، مثل الآية من آل عمران : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) إلى آخرها ، ثم بعدها : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) ، إلى آخرها.
وعرضت الوحوش بالأجلة الديباج والديبقيّ بقباب الذهب ، والمناطق ، والأهلة وبعدها النجب ، والبخاتي بالأقتاب الملبسة بالديبقيّ الملوّن المرقوم ، وعرض السلاح ، وآلات الموكب جميعها ، ونصبت الكسوات على باب العيد ، وضربت طول الليل وحملت الفطرة الخاص التي يفطر عليها الخليفة بأصناف الجوارشات بالمسك ، والعود والكافور والزعفران والتمور المصبغة التي يستخرج ما فيها ، وتحشى بالطيب وغيره ، وتسدّ ، وتختم وسلمت للمستخدمين في القصور ، وعبيت في مواعين الذهب المكللة بالجواهر ، وخرجت الأعلام والبنود.
وركب المأمون ، فلما حصل بقاعة الذهب أخذ في مشاهدة السماط من سرير الملك إلى آخرها ، وخرج الخليفة لوقته من الباذهنج ، وطلع إلى سرير ملكه ، وبين يديه الصواني المقدّم ذكرها ، واستدعى بالمأمون ، فجلس عن يمينه بعد أداء حق السلام ، وأمر بإحضار الأمراء المميزين والقاضي والداعي والضيوف ، وسلم كل منهم على حكم ميزته ، وقدمت الرسل ، وشرّفوا بتقبيل الأرض والمقرئون يتلون ، والمؤذنون يهللون ويكبرون ، وكشفت القوّارات الشرب المذهبات ، عما هو بين يدي الخليفة فبدأ وكبر ، وأخذ بيده تمرة ، فأفطر عليها ، وناول مثلها الوزير ، فأظهر الفطر عليها ، وأخذ الخليفة في أن يستعمل من جميع ما حضر ، ويناول وزيره منه ، وهو يقبله ويجعله في كمه ، وتقدّمت الأجلاء إخوة الوزير وأولاده من تحت السرير ، وهو يناولهم من يده ، فيجعلونه في أكمامهم بعد تقبيله ، وأخذ كل من الحاضرين كذلك ، ويومئ بالفطور ويجعله في كمه على سبيل البركة ، فمن كان رأيه الفطور أفطر ، ومن لم يكن رأيه أومأ ، وجعله في كمه لا ينتقد على أحد فعله.
ثم قال المأمون بعد ذلك : ما على من يأخذ من هذا المكان نقيصة بل له به الشرف والميزة ، ومدّ يده ، وأخذ من الطيفور الذي كان بين يديه عود نبات ، وجعله في كمه بعد تقبيله ، وأشار إلى الأمراء ، فاعتمد كل من الحاضرين ذلك وملأوا أكمامهم ، ودخل الناس ، فأخذوا جميع ذلك ، ثم خرج الوزير إلى داره والجماعة في ركابه ، فوجد التعبية فيها من