درجة ، وأشار إلى القاضي ، فتقدّم وقبل كل درجة إلى أن يصل إلى الدرجة الثالثة ، وقف عندها ، وأخرج الدعو من كمه ، وقبله ووضعه على رأسه ، وأعلى بما تضمنه وهو ما جرت به العادة من تسمية يوم العيد ، وسنته والدعاء للدولة.
وكانت الحال في أيام وزراء الأقلام والسيوف إذا حصل الخليفة في أعلى المنبر بقي الوزير مع غيره ، وأشار الخليفة إلى القاضي ، فيقبل الأرض ، ويطلع إلى الدرجة الثالثة ويخرج الدعو من كمه ويقبله ، ويضعه على رأسه ، ويذكر يوم العيد ، وسنته والدعاء للدولة ، ثم يستدعي بالوزير بعد ذلك فيصعد بعد القاضي ، فراعى الخليفة ذلك الأمر في حق الوزير ، فجعل الإشارة منه إليه أوّلا ، ورفعه عن أن يكون مأمورا مثل غيره ، وجعلها له ميزة على غيره ممن تقدّمه ، واستمرّت فيما بعد ، واستفتح الخليفة بالتكبير الجاري به العادة في الفطر ، والخطبتين إلى آخرهما ، وكبر المؤذنون ، ورفع اللواءان ، وترجل كل أحد من موضعه كما كان ركوبه ، وصار الجميع في ركاب الخليفة ، وجرى الأمر في رجوعه على ما تقدّم شرحه ، ومضى إلى تربة آبائه ، وهي سنتهم في كل ركبة بمظلة ، وفي كل يوم جمعة مع صدقات ، ورسوم تفرّق.
وأمّا الوزير المأمون فإنه توجه وخرج من باب العيد ، والأمراء بين يديه إلى أن وصل إلى باب الذهب ، فدخل منه بعد أن أمر ولده الأكبر بالوصول إلى داره والجلوس على سماط العيد على عادته ، ولما دخل المأمون بقاعة الذهب وجد السروع قد وقع من المستخدمين بتعبية السماط ، فأمر بتفرقة الرسوم على أربابها ، وهو ما يحمل إلى مجلس الوزارة برسم الحاشية ، ولكل من حاشية أولاده وإخوته ، وكاتب الدست ، ومتولي حجبة الباب ، ومتولي الديوان ، وكاتب الدفتر ، والنائب لكل منهم رسم يصرف قبل جلوس الخليفة ، وعند انقضاء الأسمطة لغير المذكورين على قدر منزلة كل منهم ، ثم حضر أبو الفضائل ابن أبي الليث ، واستأذن على طيافير الفطرة الكبار التي في مجلس الخليفة فأمره الوزير بأن يعتمد في تفرقتها على ما كان يعتمده في الأيام الأفضلية ، وهو لكل من يصعد المنبر مع الخليفة طيفور.
فلما أخذ الخليفة راحة بعد مضيه إلى التربة جلس على السرير ، وبين يديه المائدة اللطيفة الذهب بالمينا ، معبأة بالزبادي الذهب ، واستدعى الوزير واصطف الناس من المدورة إلى آخر السماط من الجانبين على طبقاتهم ، ورفعت الستور ، واستفتح المقرئون ، ووفيّ الدولة إسعاف متولي المائدة مشدود الوسط ، ومقدّم خزانة الشراب ، بيده شربة في مرفع ذهب ، وغطاء مرصعين بالجوهر والياقوت ، ومتولي خزائن الإنفاق بيده خريطة مملوءة دنانير لمن يقف يطلب صدقة ، وإنعاما فيؤمر بما يدفع إليه ، وتفرقة الرسوم الجاري بها العادة ، ولعبت المنافقون ، والتحسارية ، وتناوب القرّاء ، والمنشدون ، وأرخيت الستور وعبىء السماط ثانيا على ما كان عليه أوّلا.