ومكن من الدخول إليها ، وترجل الوزير في الدهليز الثالث من دهاليزها ، وتقدّم إلى الخليفة ، وأخذ شكيمة الفرس من يد الروّاض ، وشق به الخيام التي جمعت جمع الصور الآدمية والوحشية ، وقد فرشت جميعها بالبسط الجهرمية والأندلسية إلى أن وصل إلى القاعة الكبرى فيها ، وترجل على سرير خلافته ، وجلس في محل عظمته ، وأجلس وزيره على الكرسيّ الذي أعدّ له ، واحتاط به المستخدمون من جملة السلاح المنتصب جميعه ، وحجبوا العيون عن النظر إليه وصف بين يديه الأمراء والضيوف ، والمشرّفون بحجبته ، وختم المقرئون القرآن العظيم ، وقدّم عدي الملك النائب : شعراء المجلس على طبقاتهم ، وعند انقضاء خدمة آخرهم عادت المستخدمون ، والروّاض مقدّمة ما أمروا به من الدواب ، فعلاه الخليفة والوزير يمسك الشكيمة بيده ، وانتظم موكبا عظيما والقرّاء عوض الرهجية ، والجماعة في ركابه رجالة على حكم ما كانوا عليه أوّلا ، وصعد من القاعة التي في دهاليز الباب القبليّ منها ، فخرج منه ، وانفصلت خدمة جميع الأمراء والضيوف من ركابه بأحسن وداع من تقبيل الأرض.
وصعد الخليفة ووزيره ، وأولاده وإخوته والأصحاب والحواشي إلى السكرة ، وهي من جنات الدنيا المزخرفة ، وتلقاه أخوه بعظمة سلامه ، وتقبيل الأرض بين يديه ، وجلس لوقته ، وفتحت الطاقات التي في المنظرة ، وعن يمينه وزيره ، وعن يساره أخوه جالسان ، واعتمد الناس جميعهم عند مشاهدته تقبيل الأرض له ، وإدامة النظر نحوه ، والمستخدمون جميعهم على السدّ مشدودي الأوساط واقفين عليه.
فلما أمرهم الوزير أن يكسروه : قبلوا الأرض جميعا ، وانصرفوا عنه ، وتولته الفعلة في البساتين السلطانية بالفتح من الحانيين ، والقرآن والتكبير من الجانب الغربيّ ، حيث الخليفة والرهج واللعب من الجانب الشرقيّ ، ولما كمل فتحه : انحدرت العشاريات عن آخرها اللطيف منها يقدم الكبير ، والجميع مزينة بالذهب والفضة ، والستور المرقومة ، ورؤساؤهم وخدّامهم بالكسوات الجميلة ، وبعد ذلك غلقت الطاقات ، وحلّ الخليفة بالمقصورة التي لراحته ، وكذلك الوزير ، وأولاده وإخوته ، وجميع الأمراء الأستاذين ، والأصحاب والحواشي واستدعي للوقت والي مصر من البرّ الشرقيّ ، وخلع عليه بدلة منديلها وثوبها مذهبان ، وثوبان عتابيّ وسقلاطون ، وقبّل الأرض من تحت المنظرة ، وعدّى في البحر إلى حفظ مكانه.
ثم استدعي بعده حامي البساتين ومشارفها ، فخلع عليهما بدلتين حريريّ وثوبين سقلاطون ، وعتابيّ ، ثم متولي ديوان العمائر كذلك ، ثم مقدّمي الرؤساء كذلك ، واعتمد كل من سلم إليه الإثباتات المشتملة على أصناف الأنعام من العين والورق ، وصواني الفطرة والموائد التي يهتمّ بها جميع الجهات ، والخراف المشوية ، والجامات الحلواء ، تفرقة ذلك