بالغرائب بل للتعب الشديد عليها ، ثم لضيق الزمان ، لأنّ كلا منها لا مندوحة أن يكون فيه زهرة وثمرة ، وطول المكث كذلك يتلف ما فيها ، وإذا شملت مع قلتها من له الوجاهة العالية من أخي الخليفة ، والوزير لم يكن له غير صينية واحدة ، وأخذ كل من الحاشية أهبة تجمله لموضع ميزته ، وغير الخليفة ثيابه بما يقتضيه الموكب ، وهو بدلة حريريّ ، بشدّة الوقار ، وعلم الجوهر ، وسير إلى الوزير صحبة مقدّم خزانة الكسوة الخاص على يد المستخدمين عنده من الأستاذين من جملة بدلات الجمع التي يتوجه منها إلى زيه ، ما يؤمر به من السعي إليه بدلة مكملة حريريّ ومنديلها بياض بالشدّة الدانية غير العربية.
ولما لبس ما سير إليه وحضر بين يديه لشكر نعمته ، أمره بركوب أخيه في إحدى العشريات ، فامتثل أمره ، وتوجه صحبته من السكرة بجميع خواصه وحواشيه ، وفتح لهم الباب الذي هو منها بشاطئ الخليج ، وقدّم له إحدى العشاريات الموكبية ، وفيها مقدّم رياسة البحرية ، فركب فيها بجمعه ، والوزير واقف راجل على شاطىء الخليج خدمة له إلى أن انحدرت العشاريات جميعها قدّامه ، ومراكب اللعب بغير أحد من أرباب الرهج ، والمستخدمون في البرّين يمنعون من يقاربه ، والمتفرّجون لا يصدّهم ويردّهم ما يحل بهم بل يرمون أنفسهم من على الدواب ، ويسيرون بسيره.
وعاد الوزير إلى السكرة ، فلما شاهد الخليفة الدواب الخاص التي برسم ركوبه ، أمره بما وقع عليه اختياره منها ، وعلاه فاحتاط بركابه ، مقدّمو الركاب واستفتح القرّاء وخرج من باب السكرة ودخل من باب الخليفة القبليّ وشق قاعتها على سرير مملكته وخص بالسلام فيها شيوخ الكتاب العوالي ، والقاضي والداعي ، ومن معهما ، ولهم بذلك ميزة عظيمة يختصون بها دون غيرهم ، وخرج منها إلى البستان المعروف. بنزار ، وسار في ميدانه ، وجميعه من الجانبين سور معقود من شجر نارنج أصولها مفترقة ، وفروعها مجتمعة ، وظللت الطريق ، وعليها من الثمرة التي أخرجها من وقته إلى هذا اليوم وقد خرجت بهجتها عن المعتاد ، وحصل عليها ثمرة سنتين إحداهما انتهت ، والأخرى في الابتداء ، وهو بهيئته وزيه وترتيب عساكره وأمرائه ، وخرج من الباب بعد أن عمّ من له رسم بإنعامه ، وعاد الرهج والموكب على ما كان عليه. فلما وصل إلى السدّ الذي على بركة الحبش كسر بين يديه.
وقال في كتاب الذخائر : إن مما أخرج من القصر في سنة إحدى وستين وأربعمائة في خلافة المستنصر قبة العشاريّ وقاربه ، وكسوة رحله ، وهو مما استعمله الوزير أحمد بن عليّ الجرجراي في سنة ست وثلاثين وأربعمائة ، وكان فيه مائة ألف وسبعة وستون ألفا وسبعمائة درهم فضة نقرة ، وإن المطلق لصناع الصاغة عن أجرة ذلك ، وفي ثمن لطلائه خاصة ، ألفان وسبعمائة دينار ، وعمل أبو سهل التستريّ لوالدة المستنصر عشاريا يعرف بالفضيّ وحلي رواقة بفضة تقديرها مائة ألف وثلاثون ألف درهم ، ولزم ذلك أجرة الصناعة ، ولطلاء