طالبة أماكنها ، وأقام أهل مكة بها ، فلم يزالوا على ذلك دهرا طويلا إلى أن غيروا دين إبراهيم وإسماعيل ، فأحبوا أن يتوسعوا في معيشتهم ، ويجعلوا حجهم في وقت إدراك شغلهم من الأدم والجلود والثمار ونحوها ، وأن يثبت ذلك على حالة واحدة في أطيب الأزمنة ، وأخصبها فتعلموا كبس الشهور من اليهود الذين نزلوا يثرب من عهد شمويل نبيّ بني إسرائيل ، وعملوا النسيء (١) قبل الهجرة بنحو مائتي سنة ، وكان الذي يلي النسيء يقال له : القلمس يعني الشريف ، وقد اختلف في أول من أنسأ الشهور منهم فقيل : القلمس هو : عديّ بن زيد ، وقيل : القلمس هو : سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة ، وإنه قال : أرى شهور الأهلة ثلثمائة وأربعة وخمسين يوما ، وأرى شهور العجم ثلثمائة وخمسة وستين يوما ، فبيننا وبينهم أحد عشر يوما ، ففي كل ثلاث سنين ثلاثة وثلاثون يوما ، ففي كل ثلاث سنين شهر ، وكان إذا جاءت ثلاث سنين قدّم الحج في ذي القعدة ، فإذا جاءت ثلاث سنين أخر في المحرّم ، وكانت العرب إذا حجت قلّدت الإبل النعال ، وألبستها الجلال ، وأشعرتها ، فلا يتعرّض لها أحد إلّا خثعم ، وكان النسيء في بني كنانة ، ثم في بني ثعلبة بن مالك بن كنانة ، وكان الذي يلي ذلك منهم : أبو ثمامة المالكيّ ، ثم من بني فقيم ، وبنو فقيم هم النساءة ، وهو منسيء الشهور ، وكان يقوم على باب الكعبة ، فيقول : إنّ إلهتكم العزى قد أنسأت صفر الأوّل ، وكان يحله عاما ويحرّمه عاما ، وكان إتباعهم على ذلك غطفان وهوازن وسليم وتميم ، وآخر النساءة : جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بن عباد بن حذيفة بن عبد بن فقيم.
وقيل : القلمس هو : حذيفة بن عبد بن فقيم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة ، ثم توارث ذلك منه بنوه من بعده ، حتى كان آخرهم الذي قام عليهالسلام أبو ثمامة جنادة ، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فأحلّ لهم من الشهور ، وحرّم ، فأحلوا ما أحلّ وحرّموا ما حرّم ، وكان إذا أراد أن ينسئ منها شيئا أحل المحرّم ، فأحلوه ، وحرّم مكانه صفر فحرّموه ليواطئوا عدّة الأربعة ، فإذا أرادوا الهدي اجتمعوا إليه ، فقال : اللهم إني لا أجاب ، ولا أعاب في أمري والأمر لما قضيت ، اللهم إني قد أحللت دماء المحلين من طي وخثعم ، فاقتلوهم حيث ثقفتموهم أي ظفرتم به ، اللهم إني قد أحللت أحد الصفرين الصفر الأوّل وأنسأت الآخر من العام المقبل ، وإنما أحل دم طي وخثعم لأنهم كانوا يعدون على الناس في الشهر الحرام من بين جميع العرب.
وقيل : أوّل من أنسأ سرير بن ثعلبة ، وانقرض فأنسأ من بعده ابن أخيه : القلمس واسمه عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن كنانة ، ثم صار النسيء في ولده ، وكان آخرهم أبو ثمامة جنادة ، وقيل : عوف بن أمية بن قلع عن أبيه أمية بن قلع عن جدّه قلع بن عباد عن
__________________
(١) النسيء : التأخير ، وهو شهر كانت تؤخره العرب قبل الإسلام وقد نهى القرآن عنه.