وكانت العرب لها تواريخ معروفة عندها قد بادت ، فما كانت تؤرخ به ، إنّ كنانة أرخت من موت كعب بن لؤيّ حتى كان عام الفيل ، فأرخوا به ، وهو عام مولد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان بين كعب بن لؤيّ ، والفيل خمسمائة وعشرون سنة ، وكان بين الفيل ، وبين الفجار أربعون سنة ، ثم عدّوا من الفجار إلى وفاة هشام بن المغيرة ، فكان ست سنين ، ثم عدّوا من وفاة هشام بن المغيرة إلى بنيان الكعبة ، فكان تسع سنين ، ثم كان بين بنائها ، وبين هجرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم خمس عشرة سنة.
ثم وقع التاريخ من الهجرة النبوية ، فعن سعيد بن المسيب قال : جمع عمر بن الخطاب رضياللهعنه الناس فسألهم من أيّ يوم يكتب التاريخ؟ فقال عليّ بن أبي طالب : من يوم هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وترك أرض الشرك ، ففعله عمر ، وعن سهل بن سعد الساعديّ قال : أخطأ الناس في العدد ما عدّوا من مبعثه ، ولا من وفاته إنما عدّوا من مقدمه المدينة ، وعن ابن عباس رضياللهعنهما قال : كان التاريخ من السنة التي قدم فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وقال قرّة بن خالد عن محمد : كان عند عمر بن الخطاب رضياللهعنه عامل جاء من اليمن فقال لعمر : أما تؤرخون؟ تكتبون في سنة كذا وكذا من شهر كذا وكذا ، فأراد عمر والناس أن يكتبوا من مبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم قالوا : من عند وفاته ، ثم أرادوا أن يكون ذلك من الهجرة ، ثم قالوا : من أي شهر ، فأرادوا أن يكون من رمضان ، ثم بدا لهم ، فقالوا : من المحرّم. وقال ميمون بن مهران : رفع إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، صكّ محله شعبان ، فقال : أيّ شعبان هو؟ أشعبان الذي نحن فيه أو الآتي؟ ثم جمع وجوه الصحابة فقال : إنّ الأموال قد كثرت ، وما قسمنا منها غير مؤقت ، فكيف التوصل إلى ما يضبط به ذلك ، فقالوا : يجب أن يعرف ذلك من رسوم الفرس ، فعندها استحضر عمر رضياللهعنه الهرمزان ، وسأله عن ذلك ، فقال : إنّ لنا حسابا نسميه : ماه روز ، معناه : حساب الشهور والأيام ، فعرّبوا الكلمة ، وقالوا : مؤرخ ، ثم جعلوه اسم التاريخ واستعملوه ، ثم طلبوا وقتا يجعلونه أوّلا لتاريخ دولة الإسلام ، فاتفقوا على أن يكون المبدأ من سنة الهجرة ، وكانت الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة ، وقد تصرّم من شهور السنة ، وأيامها المحرّم وصفر ، وأيام من ربيع الأوّل ، فلما عزموا على تأسيس الهجرة رجعوا القهقرى ثمانية وستين يوما ، وجعلوا التاريخ من أوّل محرّم هذه السنة ، ثم أحصوا من أوّل يوم في المحرّم إلى آخر عمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكان عشر سنين وشهرين ، وأما إذا حسب عمره المقدّس من الهجرة حقيقة ، فيكون قد عاش صلىاللهعليهوسلم بعدها تسع سنين ، وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما ، وكان بين مولده صلىاللهعليهوسلم وبين مولد المسيح عليهالسلام ، خمسمائة وثمان وسبعون سنة تنقص شهرين وثمانية أيام.
وابتداء تاريخ الهجرة يوم الخميس أوّل شهر الله المحرّم ، وبينه وبين الطوفان ثلاثة