وقال ابن سعيد : وصارت مصر والشام بعد بخت نصر في مملكة الفرس ، فوليها منهم : كشرجوش الفارسيّ باني قصر الشمع ، وبعده طخارست الطويل الولاية ، وتوالت بعده نوّاب الفرس إلى ظهور الإسكندر ، وقال غيره : إن الذي بناه طخشاشت أحد ملوك الفرس عند ما سار لمحاربة أهل مصر ، فلما غلب قسطو ملك مصر الذي يعرف بفرعون سابان ، وفرّ منه إلى مقدونية غلب على ملك مصر ، واستولى عليها وبنى للفرس قصرا ، وجعل فيه بيت نار على شاطىء النيل الشرقيّ ، وعرف بقصر الشمع لأنه كان له باب يقال له : باب الشمع ، وجعل في القصر بيت نار وهو باق.
وقال ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد : وكانت الفرس قد أسست بناء الحصن الذي يقال له : باب اليون (١) ، وهو الحصن الذي بفسطاط مصر اليوم ، فلما انكشفت جموع فارس عن الروم ، وأخرجتهم الروم من الشام أتمت بناء ذلك الحصن ، وأقامت به ، فلم تزل مصر في ملك الروم حتى فتحها الله تعالى على المسلمين قال : وكان أبو الأسود نصر بن عبد الجبار يقولها بالميم ، يعني باب اليوم ، ويقال : إنما سمي كذا لأنهم كانوا يقولون: من يقاتل اليوم.
وقال القضاعيّ : ذكر الحصن المعروف بقصر الشمع يقال : إن فارس لما ظهرت على الروم وملكت عليهم الشام ، وملكت مصر بدأت ببناء هذا القصر ، وبنت فيه هيكلا لبيت النار ، ولم يتم بناؤه على أيديهم إلى أن ظهرت الروم عليهم ، فتممت بناءه وحصنته ، ولم تزل فيه إلى حين الفتح ، وهيكل الناس هو القبة المعروفة اليوم بقبة الدخان ، وبحضرتها مسجد معلق أحدثه المسلمون.
وقال أبو عبيد البكريّ : باب اليون بمصر إن كان عربيا ، فإنه مثل يوم ، ويوح مما فاؤه ياء ، وعينه واو ، وقد يجوز أن يكون فعلا من بين ، وهو اسم موضع على مذهب أبي الحسن في فعل من البيع بوع قال : وليست الألف واللام فيه للتعريف ، فعلى هذا يجب أن تثبت في الرسم. وقال أبو صخر :
وحلوا تهامي أرضنا وتبدّلوا |
|
بمكة باب اليون والربط بالعصب |
والرواية في شعر كثير عزّة في قوله :
جرى بين باب اليون والعصب دونه |
|
رياح أشفت بالنقي وأشمت |
بالباء ، وبفتح النون غير مجرور للعجمة على أن همزته مقطوعة ، وصلها للضرورة. وقال الحازميّ : باب البون بالباء اسم مدينة مصر فتحها المسلمون ، وسموها
__________________
(١) باب اليون : وتكتب : بابليون وهو اسم عام لديار مصر بلغة القدماء. وقيل : هو اسم لموضع الفسطاط خاصة. معجم البلدان ج ١ / ٢١١.