معه بعض التلاميذ للرواية عن غيره ، والاكتفاء بنسخ ومقابلة بعض كتب الحديث ، التى يرويها (١). لم يكن تلاميذ يونس من خارج مصر قادمين من بلاد الأندلس فحسب ، وإنما وفد غيرهم ؛ للتلقى عليه من الأقاليم الإسلامية الأخرى. ومن هؤلاء : أبو زرعة الرازىّ (ت ٢٦٤ ه) ، وأبو حاتم الرازى (ت ٢٧٧ ه) (٢) وأبو بكر بن زياد النيسابورى ، وأبو بكر ابن خزيمة ، وأبو عوانة الإسفرايينى ، ومسلم ، والنسائى ، وابن ماجه (٣).
وهكذا ، شغل علم الحديث عالمنا «يونس بن عبد الأعلى» ، ومثّل جانبا مهما من جوانب ثقافته ، وبلغت مروياته منه كثرة وغزارة ، بحيث اتسعت مروياته ، واتصفت بالوثاقة ، حتى تزاحم عليه طلاب العلم من داخل مصر وخارجها ، يروون عنه حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ويلاحظ أنه لم يؤثر عن يونس الارتحال عن بلده مصر (٤) ، لكنه عوّض ذلك ـ فيما يبدو ـ بالنقل عن علماء بلده وأعلامها ، وأخذ وأعطى للمرتحلين وللوافدين عليها من الأقاليم الإسلامية الأخرى ، وظل مرتبطا ببلده ، مقيما بأرضها ، حتى ضم
__________________
(١) ورد أن (سعيد بن عثمان الأعناقى ، وسعد بن معاذ ، ومحمد بن فطيس) أتوا إلى مصر ؛ للسماع من يونس ، فوجدوا أمره صعبا ، فقرأوا على (أحمد بن عبد الرحمن بن وهب) ، وهو محدث معاصر ليونس ، وابن أخى (عبد الله بن وهب) ، قرأوا عليه (موطأ عمه ، وجامعه) ، مقابل دنانير أعطوها إياه. (سير النبلاء ١٢ / ٣٢٢). ثم لما خفّ الطلب على يونس ، انتهزوا الفرصة ، وطلبوا إليه أن يعطيهم كتبه عن ابن وهب ، فقابلوها على ما لديهم من كتب (ابن أخى ابن وهب) ، ثم سألوا يونس : كيف يؤدون روايتها؟ فخيّرهم بين (حدثنا) ، و (أخبرنا).
(تاريخ ابن الفرضى ، ط. الخانجى) ١ / ٣١٤.
(٢) لقى أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أبا حاتم الرازى ، وتعجب كيف قدم مصر ، وأقام بها منذ شهر ، ولم يأخذ عن يونس. استجاب أبو حاتم لحث أبى الطاهر ، فأقام سبعة أشهر يكتب عنه. (الجرح والتعديل : مجلد ٤ ، ق ٢ ص ٢٤٣). هذا ، وقد كان يونس يعرف لأبى حاتم ، وأبى زرعة الرازيين قدرهما وعلمهما ، فقال عنهما : هما إماما خراسان ، ودعا لهما ، وقال : بقاؤهما صلاح للمسلمين (تاريخ بغداد ١٠ / ٣٣٠ ، وسير النبلاء ١٣ / ٢٥١).
(٣) المصدر السابق ١٢ / ٣٤٩ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.
(٤) ولعله مما يستأنس به على عدم ارتحاله خارج مصر ، خلو المصادر المترجمة له من ذكر ذلك ، وتصريحه للشافعى أنه لم يزر بغداد ، وقد كانت موئل طلاب العلم آنذاك (سأله الشافعى قائلا : يا أبا موسى ، دخلت بغداد؟ قال : لا. قال : ما رأيت الدنيا ، ولا رأيت الناس (وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٢ ، والفضائل الباهرة ص ١٨٩).