أ ـ وضوحه وصراحته (١) :
وأعنى بالوضوح والصراحة أن شخصية ابن يونس لا تعرف الالتواء ، ولا الغموض ، ولا تلبس الحق بالباطل ، وإنما تدلف إلى الحقيقة من أخصر طريق ، وأيسر سبيل.
وهاكم بعض الأمثلة على ذلك : إذا علم أن لبعض المترجمين روايات ، لكنه لم يقف عليها ، ولم يجدها ، فإنه لا يستنكف عن التصريح بذلك فى مواقف عديدة ، مثل قوله : «قد بلغنى أن له حديثا ، وما وقعت له رواية عندى» (٢). وقوله عن آخر : «حدّث ، ولم يقع إلىّ له رواية» (٣).
وقوله عن ثالث ، ورابع : «قيل : إنه روى عن ابن وهب. ولم يقع إلىّ من حديثه شىء» (٤) ، و «ما كتبت عنه شيئا» (٥).
من المعلوم أن ابن يونس ـ وكما سنرى فى ملامح منهجه التاريخى ـ يغلب عليه الاهتمام بتراجم المحدّثين. وفى بعض الأحيان ، تذكر مصادره مصرية بعض الشخصيات ، لكنه ـ بعد البحث والتنقيب ـ لا يقف على أية مرويات حديثية لها فى تلك المصادر ، ولا فى غيرها ، عندئذ يصرح بذلك ، فيقول : «ما علمت له رواية» (٦) ، و «لم أجد لهم عنه رواية» (٧) ، و «لم يقع إلىّ لهما عن أهل مصر حديث» (٨) ، و «لم يقع
__________________
(١) لعل مؤرخنا استمد هذه الصفة من جده (يونس) ، الذي كان أحد الشهود فى مصر ، وكان يتصف بالصراحة ، والقوة فى الحق دون تراجع ولا مواربة. وقد شهد أن (إبراهيم بن أبى أيوب) سرق ثلاثين ألف دينار من بيت المال ، وكرر ذلك القول أكثر من مرة ، فقد أعطاه القاضى (الحارث بن مسكين) هو وأخاه (محمد بن مسكين) المفتاح ؛ لإخراج بعض المال من بيت المال ، فاتهم به (إبراهيم) ، ومن هنا وقع الخلل. (القضاة للكندى ص ٤٧٠ ، ورفع الإصر (١ / ١٧٤).
(٢) تاريخ المصريين (ترجمة شعران بن عبد الله الحضرمى ، رقم ٦٤٥).
(٣) المصدر السابق (ترجمة عبد الكريم بن عمار السّلهمىّ ، رقم ٨٧٣).
(٤) السابق (ترجمة عبد الوهاب بن سعيد الحرسىّ ، رقم ٨٩٦).
(٥) السابق (ترجمة الصبّاح بن الحسن القتبانىّ ، رقم ٦٤٤). ومدلول هذا التعبير : أن المترجم له وردت عنه مرويات ـ وإن لم يصرّح بذلك فيما وجدنا من بقايا هذه الترجمة ـ لكنه لسبب ، أو لآخر لم يكتب عنه شيئا.
(٦) السابق (ترجمة صمّل بن عوف المعافرى ، رقم ٦٧٠).
(٧) السابق (ترجمة عابس بن ربيعة الغطيفىّ ، رقم ٦٧٨).
(٨) السابق (ترجمة عبد الله بن بديل الخزاعى ، وأخوه أبو عمرو ، رقم ٧٢٠).