الرأى بقوله : «تكلموا فيه» (١).
٣ ـ تبلغ نزاهة وعفة ألفاظ ابن يونس درجة عالية ، عندما يترجم لأشخاص ضعفاء فى الحديث ، أو حتى ممن حكم عليهم بوضع الأحاديث ، فلا نلمح عليه عصبية ، ولا نجد إفحاشا ولا سبابا ، وإنما نجد دقة فى وصف هؤلاء ، دون خروج عن حدود اللياقة والأدب (٢). وإذا أخطأ البعض ، نبّه على ذلك فى هدوء شديد (٣).
د ـ حب الصالحين والزهاد :
وأعتقد أن هذه الخلّة تنبع ـ أساسا ـ من البيئة ، التى نشأ فيها مؤرخنا ، فجدّه يونس كان يهتم بحكايات الصالحين والزهّاد (٤) ، وكان معروفا بأنه من ذوى الكرامات (٥). ولعل مؤرخنا ورث ذلك عن جده (٦) ، وانعكس ذلك على تراجمه فى مظهرين أساسيين :
__________________
(١) تاريخ الغرباء (ترجمة على بن زيد الفرائضى ، رقم ٤٠٥).
(٢) راجع (السابق ، ترجمة على بن خلف بن على البغدادى رقم ٤٠٣) ، قال عنه : لم يكن يسوى فى الحديث شيئا. وكذلك (ترجمة داود بن يحيى الصوفى الإفريقى ، رقم ١٩٦) ، قال عنه : ليس بشىء ، أحاديثه موضوعة.
(٣) ومثالا ذلك : قوله فى (تاريخ المصريين ، ترجمة عيّاش بن عقبة الحضرمى رقم ١٠٥١) عندما ذكر عبد الله بن يزيد المقرئ أنه عم ابن لهيعة ، فقال ابن يونس : أخطأ المقرئ ، ووهم فى ذلك. وفى (السابق ، ترجمة يعفر بن عريب القتبانى ، رقم ١٤٠٩) ، قال : زعموا أنه شهد فتح مصر. وفى ذلك نظر.
(٤) يشهد له بذلك ما ذكره من حكايات الصالحين والزهاد ، لما حضر جنازة لآل يوسف بن عمرو ابن يزيد ، وكان يحضرها القاضى (الحارث بن مسكين) ، وقد أثّر يونس فى الحاضرين ، حتى أبكى بعض أهل المجلس. وقد حاول القاضى التشكيك فى إخلاص يونس ؛ ربما لخلاف بينهما ، فردّ عليه يونس ردا مفحما ، قائلا له : أنت وليت القضاء ، ومن ولى القضاء فكأنما ذبح بغير سكين. (القضاة للكندى ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ ، وترتيب المدارك ١ / ٥٧٥). وكذلك أورد له ابن خلكان حكاية ، رواها عن أحد الصالحين المخلصين ، وكيف أدى الله عنه دينه (وفيات الأعيان ٧ / ٢٥١ ـ ٢٥٢).
(٥) نصح ابن بكير رجلا ، شكا إليه الفقر ، أن يأتى يونس ، فيدعو له ، وعلّل ذلك ابن بكير بقوله : «فو الله ، إنى لأجد له بركة». (ترتيب المدارك : مجلد ٢ ص ٨٠).
(٦) أقصد حب الصالحين والزهاد. وعلى كل ، فنحن لا نعرف شيئا عن المستوى المعيشى لمؤرخنا (ابن يونس) ، وما إذا كان يعيش فى سعة من العيش ورخاء ، أم كان يمارس حياة التقشف والزهد. والنصوص التى وردت تتعلق بجده (يونس) الذي كان فقيرا ، شديد التقشف فى البداية ، ثم أقطع أرضا ، يزرعها ولا يدفع عنها خراجا سنين طويلة ، فكان ذلك أول غناه.