وتحديدها تحديدا جغرافيا دقيقا (١) ، وبيان المكان الأصلى الذي ينسب إليه صاحب الترجمة (٢). كان ذلك على مستوى تراجم المصريين ، الذين نتوقع إدراك مؤرخنا أماكن إقامتهم بمصر إدراكا طيّبا ؛ لأنهم بنو وطنه.
أعتقد أن مهمة ابن يونس فى تحديد بلدان المترجمين فى «تاريخ الغرباء» كانت أصعب منها فى «تاريخ المصريين». ومع ذلك ، فقد ألفيناه يولى هذا الأمر اهتمامه أيضا ، فإنه بالرغم من خلو بعض بقايا تراجمه من ذكر بلدان المترجمين (٣) ، إلا أنه كان ـ أحيانا ـ يذكر أقاليم البعض الآخر (٤) ، ومكان مولدهم ، والبلد الذي رجعوا إليه عند مغادرتهم مصر (٥) ، والبلد الأصلى للمترجم له ، والمكان الذي تحول إليه وسكنه (٦).
وكان ـ فى بعض الأحيان ـ يرصد تنقلات العلماء بين الأقاليم المختلفة ، ويضمّنها تراجمه (٧) ، ويذكر الأقاليم التى استوطنوها بمصر عند رحيلهم إليها (٨).
وهكذا ، كان مؤرخنا يحسن فهم الصلة الوثيقة بين «التاريخ ، والجغرافية» ، وكان يعلم أن تراجمه لهؤلاء ـ مصريين ، وغرباء ـ تكتمل معالمها ، وتتضح صورتها بذكر مواطن إقامتهم فى مصر ، مع التعريف ببلدانهم الأصلية.
٥ ـ المكانة الاجتماعية :
نظرا لطبيعة تراجم كتابى «ابن يونس» المختصرة ، فإننا لا نجد التوضيح الكافى ، ولا
__________________
(١) تاريخ المصريين : ترجمة (٥٩١): (من عسكر فسطاط مصر). ووجه الدقة أن هناك أكثر من عسكر خارج مصر (راجع : معجم البلدان ٤ / ١٣٨). وكذلك راجع تعريف ياقوت (عسكر مصر) فى (المصدر السابق) ٤ / ١٣٩.
(٢) راجع (تاريخ المصريين) ، ترجمة الطحاوى (رقم ٥١).
(٣) تاريخ الغرباء : تراجم أرقام (٧ ، ٣٧ ، ٣٩ ، ٧٠ ، ٧٦ ، ٩٠ ، ١١١ ، ١١٦).
(٤) المصدر السابق : ترجمة ٢ (أندلسى) ، ٤ (كوفى) ، ٥ (من أهل قرطبة) ، ٦ (بصرى).
(٥) كما فى ترجمة : (القاسم بن عبد الرحمن بن أبى صالح) ، رقم (٤٥٦) فى (السابق).
(٦) السابق : ترجمة (عكرمة القرشى) رقم (٣٩٥) ، وترجمة (على بن شيبة بن الصلت) ، رقم (٤٠٧).
(٧) السابق : ترجمة (يحيى بن معين) ، رقم (٦٨٣).
(٨) السابق : (ترجمة ١٢) ، وهو (إبراهيم بن أبى داود البرلسى) ، الذي لزم البرلس. وكذلك ترجمة (أحمد بن محمد بن فضالة السوسى) ، الذي نزل العسكر عند الصاغة بمصر (رقم ٧٢) ، وترجمة (بشر بن بكر التنيسى) ، رقم (١٠٩) ، الذي قال عنه : دمشقى ، أكثر مقامه ب (تنيس) ، و (دمياط) ، وتوفى بالأخيرة سنة ٢٠٥ ه.