ومزيد فضله استعفى مرارا معتذرا بكبر السنّ وضعف البدن فلم يساعفه السلطان لذلك ووظف له ذلك النائب ، وهذا القاضي هو الذي يولي جميع القضاة إلا قضاة مراكش فلا دخل له فيهم اللهم إلا إذا أراد السلطان أن يولي أحد علماء فاس قاضيا بمراكش فحينئذ يستشير قاضي فاس في تعيين القاضي.
وكل مكان يشتمل على قاض له وال يسمى في عرفهم قائدا ، له فصل النوازل العادية والسياسية وبعض الشخصيات.
والدولة مركبة من السلطان والوزير والحاجب ووزير القضايا وكتبة ورؤوساء للجند ولجهات سياسية ، فأما السلطان فإن له عائلة شريفة ثابتة النسب برسول الله صلىاللهعليهوسلم كان أرسل إليها بعض أهل المملكة وأتوا بجدّهم من ينبع النخل من المدينة المنوّرة منذ نحو ستمائة سنة للتبرك بهم في صلاح ثمار نخلهم حيث بانت بركة آل البيت في جهات أخرى من المملكة ، ثم عند وقوع حروب أهلية وانقسام المملكة إلى طوائف نادى بجدهم مولاي محمد قسم من المملكة وبايعوه في الثلاثين بعد الألف ، ثم اجتمعت بقية المملكة على ولده من بعده ولم يزل الملك فيهم ، لكن المتولي لا يعهد إلى معين من عائلته وإنما له أن يوظف منهم من رآه أهلا في كبار الأعمال ، وعند فقد السلطان تجتمع أعيان المتوظفين والعلماء وأعيان الأهالي وينتخبون أحد أعضاء العائلة ويبايعونه بالسلطنة ، وبقية أعضاء العائلة يجب عليهم قراءة العلم ومن يوظفه منهم السلطان يشتغل بوظيفته ومن لا وظيفة له يشتغل بصناعة يتمعش منها وهي لا تكون إلا عالية كالتجارة والتدريس والفلاحة ، ومع ذلك يجعل لهم من بيت المال شيء لا يكاد يسدّ من عوز ، وأما الوزير فينتخبه السلطان ولا يكون إلا عالما ذا وجاهة من الأهالي وهو وزير القلم على الطريقة القديمة في دول العرب من أن يكون الوزير هو وزير الإنشاء ولذلك يجب أن يكون ماهرا في فنون الأدب مع مشاركة حسنة في غيرها ، ولعمري أن صناعة الإنشاء في الدول باللغة العربية كادت الآن أن تكون مقصورة على دولة مراكش وأما غيرها من الدول العربية فقد تذبذبوا وكادت كتابتهم أن تخرج عن الأسلوب العربي ، بل صاروا لا يتحاشون عن اللحن والكلمات البربرية بخلاف كتاب المغرب وهذا ديدنهم من قديم ، ومما يحسن ذكره هنا :
إن حموده باشا رحمهالله الرجل الشهير من أمراء العائلة الحسينية بتونس المتولى في أوائل هذا القرن ، كان وقع في أثناء ولايته قحط شديد اضطر بسببه لطلب الميرة والحبوب من سلطنة المغرب لأن أرضها كانت خصبة في ذلك العام ، ولم تكن المواصلة في أوروبا وغيرها من الأقطار سهلة في ذلك الوقت ، وكان من عادة سلطنة المغرب أن تمنع خروج الحبوب من مملكتها. فأرسل حموده باشا العالم المقدّس سيدي إبراهيم الرياحي (١) لطلب
__________________
(١) هو إبراهيم بن عبد القادر بن أحمد الرياحي التونسي أبو إسحاق (١١٨٠ ـ ١٢٦٦ ه) فقيه مالكي ولد في «تستور» ونشأ وتوفي بتونس. الاعلام ١ / ٤٨ معجم المطبوعات (١٣٨١).