ذلك المهم ووجه معه مكتوبا كان من جملة عباراته : «تبق تأذن بخروج القمح الخ». فقوله : «تبق» عبارة بربرية اعتادها كتاب التونسيين في الأوامر الرسمية ، ولما قرأ ذلك الكتاب تعجب وزير القلم بدولة المغرب من تلك العبارة واشتد حنقه منها ، كيف يخاطب السلطان بها ولو لا تبحر سيدي إبراهيم في العلوم لخاب المسعى ، فقال لهم : إنها عبارة عربية وهي جملة دعائية في صورة الخبر إيذانا بتحقيق الإجابة ببقاء السلطان ، وما بعدها جملة حالية إيذانا بأن بقاءه يكون دائما مشمولا بعلو الكعب الذي تحتاج إليه المسلمون من الأقطار وهو دايم الإذن بما ينفعهم ، ثم قال لهم : وعلى فرض لحن العبارة هل يسوغ لسلطان من المسلمين أن لا يرحم عصابة إسلامية ويتركهم يهلكون جوعا لسوء عبارة من جهل الكاتب ، وقرائن الحال حافة بحسن المقصد على أنها لها محل وجيه الخ ، فنجح سعيه رحمهالله.
وأما بقية المتوظفين فينتخبهم السلطان أيضا على حسب إرادته ، والسلطان يجلس يوميا صباحا ومساء لقبول المشتكين كيفما كانت الدعوى ، ويكون قبل جلوسه قد هيأ له وزير القضايا تقريرا في جميع من ورد ذلك الوقت مع بيان دعوى كل واحد ، ثم ينتظم مجلس السلطان بوقوف وزيره والحاجب وكبار الأعوان ويمكن وزير القضايا التقرير من السلطان فيقرأه ويأذن بإدخال المشتكين على حسب ترتيبهم في كتاب التقرير ويسمع من المشتكي دعواه ويطابقها على التقرير وعند ذلك لهم طريقتان.
الغالبة : هي أن السلطان يجيب المشتكي بما يراه في فصل نازلته أو تحويلها إلى الشرع ، ثم ينفذ وزير القضايا ما أمر السلطان به.
والطريقة الثانية : هي أنه بعد فراغ جميع المشتكين وتطبيق شكواهم على التقرير يوقع السلطان على التقرير في كل نازلة بما يراه ويدفع التقرير إلى ذلك الوزير وهو يخرج من بين يديه وينفذ ما أمر به السلطان ، وسيرة عموم الدولة على السنن القديم في الأمم التي لم يتسع نطاقها في التمدن وفي الأغلب محافظون على الشعائر الدينية وسوق العلوم الدينية رائجة جدّا بحيث لا تخلو المملكة من فحول في كل وقت ، ومن أهم صفات سلاطينهم العلم وأما العلوم الرياضية فإما أن يقال أنها منقطعة عندهم بالمرة أو أن بعض فروعها لم يزول فيه رمق على النمط القديم ، وذلك مثل علم الأسطرلاب والهندسة.
كما أن لبعضهم ولوع ودعوى في علم الطلسمات وسر الحرف ، وكذلك علم الكيمياء بمعنى قلب بعض المعادن إلى الذهب الذي ضاعت في البحث عنه رجال وأموال من غير طائل ، وأغلب السكان غليظوا الطباع على السذاجة البربرية ، أهالي شجاعة واقتحام للمشاق ورضاء بشظف العيش.
ولأهل المدن أخلاق حميدة وصفات جيدة متمسكين بالديانة ومتحاشين عن المعاصي وكل قادح في العدالة ، ولهم اليد الطولى في التجارة بحيث أن تجارة داخل المملكة أعني